9 مصاحف

9 مصاحف الكتاب الاسلامي
حسبي الله ونعم الوكيل

حسبي الله ونعم الوكيل

 

Translate

الاثنين، 5 يونيو 2023

ج13وج14وج15وج16.الدرر السنية في الاجوبة النجدية

ج13وج14وج15وج16.الدرر السنية في الاجوبة النجدية 

 

ج13. الدرر السنية في الاجوبة النجدية

 

والاستطالة على الخلق بحق أو بغير حق، ويأمر بمعالي الأخلاق وينهى عن سفسافها، ويأمر بالجهاد على ما أمر الله به ورسوله، والانتهاء عما نهى الله عنه، بالحجة واللسان، والسيف والسنان.
وأنه ييرأ إلى الله تعالى، من جميع من خالف أهل الحق، من جميع الفرق الذين خرجت بهم الأهواء وتشعبت، وفرقوا دينهم ﴿وكانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾ [سورة الروم آية: ٣٢]، وأصول هذه الفرق: ست فرق: الروافض، والخوارج، والمرجئة، والجهمية، والقدرية، والجبرية، وكل فرقة من هذه الفرق تشعبت، على ما ذكره أهل العلم، على اختلاف نحلهم ومللهم، وتشعب آرائهم وأهوائهم.
فإذا تحققت ذلك، تبين لك: أن هذا الملحد المفتري الضال، ممن نكب عن طريقة السلف الصالح، وصدف عنها، واتبع غير سبيل المؤمنين، ومن يتبع غير سبيل المؤمنين يوله الله ما تولى، ويصله جهنم وساءت مصيرا.
وقد اشتهر وظهر من شأن الشيخ محمد بن عبد الوهاب،
تعالى، من الدعوة إلى الله، والنهي عن الشرك في العبادة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، واتباع سبيل المؤمنين، من سلف هذه الأمة وأئمتها، ما شاع وذاع، وملأ الأسماع، انتفع بدعوته الخلق الكثير، والجم الغفير؛ فرحمه الله من إمام، ما أحسن أثره على الناس، وما أسوأ أثر الناس عليه.
وما أحسن ما قاله الإمام العالم الرباني: محمد بن أحمد

الحفظي اليمني، ، في أرجوزة له، ذكر فيها أمر هذه الدعوة، وما حصل في ضمنها من إظهار الدين، ونشره في البلاد والعباد، ونشر أعلام الجهاد، فقال :
الحمد حقا مستحقا أبدا … لله رب العالمين سرمدا
أحمده مهللا مسجلا … محوقلا محيعلا محسبلا
مصليا على الرسول الشارع … وآله وصحبه والتابعي
في البدء والختم وأما بعد … فهذه منظومة تعد
حركني لنظمها الخير الذي … قد جاءنا في آخر العصر القذي
لما دعا الداعي من المشارق … بأمر رب العالمين الخالق
وبعث الله لنا مجددا … من أرض نجد عالما مجتهدا
شيخ الهدى محمد المحمدي … الحنبلي الأثري الأحمدي
فقام والشرك الصريح قد سرى … بين الورى وقد طغى واعتكرا
لا يعرفون الدين والتهليلا … وطرق الإسلام والسبيلا
إلا أساميها وباقي الرسم … والأرض لا تخلو من أهل العلم
وكل حزب فلهم وليجة … يدعونه في الضيق للتفريجة
وملة الإسلام والأحكام … في غربة وأهلها أيتام
دعا إلى الله وبالتهليلة … يصرخ بين أظهر القبيلة
مستضعفا وما له مناصر … ولا له معاون موازر
في ذلة وقلة وفي يده … مهفة تغنيه عن مهنده
كأنها ريح الصبا في الرعب … والحق يعلو بجنود الرب

قد أذكرتني درة لعمر … وضرب موسى بالعصى للحجر
ولم يزل يدعو إلى دين النبي … ليس إلى نفس دعا أو مذهب
يعلم الناس معاني أشهد … أن لا إله غير فرد يعبد
محمد نبيه وعبده … رسوله إليكم وقصده
أن تعبدوه وحده لا تشركوا … شيئا به والابتداع فاتركوا
ومن دعا دون الإله أحدا … أشرك بالله ولو محمدا
إن قلتمو نعبدهمو للقربة … أو للشفاعات فتلك الكذبة
فربنا يقول في كتابه … هذا هو الشرك بلا تشابه
هذي معاني دعوة الشيخ لمن … عاصره فاستكبروا عن السنن
فانقسم الناس فمنهم شارد … مخاصم محارب معاند
ما بين خفاش وبين جعل … شاهت وجوه أهل هذا المثل
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وآله وصحبه وسلم.
آخر الجزء الثاني عشر
ويليه الجزء الثالث عشر: «كتاب التفسير»
إن شاء الله تعالى

المجلد الثالث عشر: (تفسير واستنباط لسور وآيات من القرآن الكريم)
كتاب تفسير القرآن
*

كتاب تفسير القرآن
قال شيخ الإسلام، علم الهداة الأعلام، الشيح: محمد بن عبد الوهاب، أجزل الله له الأجر والثواب، وأسكنه الجنة بغير حساب.
بسم الله الرحمن الر حيم
باب فضائل تلاوة القرآن وتعلمه وتعليمه
وقول الله
﷿: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ والَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ دَرَجاتٍ﴾ [سورة المجادلة آية: ١١]، وقوله تعالى: ﴿ما كانَ لِبَشَرٍ أنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الكِتابَ والحُكْمَ والنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنّاسِ كُونُوا عِبادًا لِي مِن دُونِ اللَّهِ ولَكِنْ كُونُوا رَبّانِيِّينَ بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الكِتابَ وبِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ﴾ [سورة آل عمران آية: ٧٩].
وعن عائشة
، قالت: قال رسول الله ﷺ: «الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن ويتتعتع ١ فيه وهو عليه شاق له أجران»أخرجاه؛ وللبخاري عن عثمان أن رسول الله ﷺ قال: «خيركم من تعلم القرآن وعلمه» ٢.


١ التتعتع: التردد في الكلام عيا وصعوبة.
٢ البخاري: فضائل القرآن (٥٠٢٧)، والترمذي: فضائل القرآن (٢٩٠٧، ٢٩٠٨)، وأبو داود: الصلاة (١٤٥٢)، وابن ماجه: المقدمة (٢١١)، وأحمد (١/‏٥٨)، والدارمي: فضائل القرآن (٣٣٣٨).

ولمسلم عن أبي أمامة قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «اقرؤوا القرآن، فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه، اقرؤوا الزهراوين: البقرة وسورة آل عمران، فإنهما يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان، أو كأنهما غيايتان ١، أو كأنهما فرقان من طير صواف، يحاجان لصاحبهما؛ اقرؤوا سورة البقرة، فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا تستطيعها البطلة».
وله عن النواس بن سمعان، قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «يؤتى بالقرآن يوم القيامة، وأهله الذين كانوا يعملون به، يقدمه سورة البقرة وآل عمران» ٢، وضرب لهما رسول الله ﷺ ثلاثة أمثال ما نسيتهن بعد، قال: «كأنهما غمامتان، أو ظلتان سوداوان بينهما شرق ٣، أو كأنهما فرقان من طير صواف، يحاجان عن صاحبهما».
وعن ابن مسعود قال: قال رسول الله ﷺ:«من قرأ حرفا من كتاب الله فله حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول (الم) حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف» ٤ رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح؛ وله وصححه عن عبد الله بن عمر، عن النبي ﷺ قال: "يقال


١ الغياية ما أظللك من فوقك.
٢ مسلم: صلاة المسافرين وقصرها (٨٠٥)، والترمذي: فضائل القرآن (٢٨٨٣)، وأحمد (٤/‏١٨٣).
٣ أي: ضياء ونور.
٤ الترمذي: فضائل القرآن (٢٩١٠).

لصاحب القرآن: اقرأ وارتق، ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية «١.
ولأحمد نحوه من حديث أبي سعيد:»ويصعد بكل آية درجة، حتى يقرأ آخر شيء منه «٢، ولأحمد أيضا عن بريدة مرفوعا:»تعلموا سورة البقرة «٣ فذكر مثل ما تقدم في الصحيح، في البقرة وآل عمران.
وفيه:»وإن القرآن يلقى صاحبه يوم القيامة، حين ينشق عنه قبره، كالرجل الشاحب، فيقول له: هل تعرفني؟ فيقول له: ما أعرفك، فيقول: أنا صاحبك القرآن، الذي أظمأتك في الهواجر، وأسهرت ليلك، وإن كل تاجر من وراء تجارته، وإنك اليوم من وراء كل تجارة، فيعطى الملك بيمينه، والخلد بشماله، ويوضع على رأسه تاج الوقار، ويكسى والداه حلتان لا يقوم لهما أهل الدنيا، فيقولان بم كسينا هذا؟ فيقال: بأخذ ولدكما القرآن؛ ثم يقال: اقرأ واصعد في درج الجنة وغرفها، فهو في صعود ما دام يقرأ هَذًّا كان أو ترتيلا «٤.
وعن أنس: أن رسول الله ﷺ قال:»أهل القرآن هم أهل الله وخاصته «٥ رواه أحمد والنسائي.
باب ما جاء في تقديم أهل القرآن وإكرامهم
كان القراء أصحاب مجلس عمر، كهولا كانوا أو شبانا. وعن ابن مسعود أن رسول الله ﷺ قال:
» يؤم القوم


١ الترمذي: فضائل القرآن (٢٩١٤)، وأبو داود: الصلاة (١٤٦٤).
٢ ابن ماجه: الأدب (٣٧٨٠)، وأحمد (٣/‏٤٠).
٣ أحمد (٥/‏٣٤٨)، والدارمي: فضائل القرآن (٣٣٩١).
٤ ابن ماجه: الأدب (٣٧٨١)، وأحمد (٥/‏٣٤٨)، والدارمي: فضائل القرآن (٣٣٩١).
٥ ابن ماجه: المقدمة (٢١٥)، وأحمد (٣/‏١٢٧).

أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء، فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء، فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء، فأقدمهم سنا «١.
وفي رواية:»سلما، ولا يؤمّنّ الرجلُ الرجلَ في سلطانه، ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه «٢ رواه مسلم.
وللبخاري عن جابر: أنه ﷺ كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد، ثم يقول:»أيهما أكثر أخذا للقرآن؟ «٣ فإذا أشير إلى أحدهما قدمه في اللحد.
وعن أبي موسى، أن رسول الله ﷺ قال:»إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه، وإكرام ذي السلطان «٤ حديث حسن رواه أبو داود.
باب وجوب تعلم القرآن وتفهمه واستماعه
والتغليظ على من ترك ذلك
وقول الله تعالى: ﴿وجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أكِنَّةً أنْ يَفْقَهُوهُ وفِي آذانِهِمْ وقْرًا﴾ [سورة الأنعام آية: ٢٥]، وقال تعالى: ﴿إنَّ شَرَّ الدَّوابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ البُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ﴾ [سورة الأنفال آية: ٢٢]، وقوله: ﴿ومَن أعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا﴾ [سورة طه آية ١٢٤].
عن أبي موسى عن النبي ﷺ قال:»مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم، كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا، فكان


١ مسلم: المساجد ومواضع الصلاة (٦٧٣)، والترمذي: الصلاة (٢٣٥)، وابن ماجه: إقامة الصلاة والسنة فيها (٩٨٠)، وأحمد (٤/‏١١٧، ٤/‏١٢١، ٥/‏٢٧٢).
٢ مسلم: المساجد ومواضع الصلاة (٦٧٣).
٣ البخاري: الجنائز (١٣٤٣)، والترمذي: الجنائز (١٠٣٦)، والنسائي: الجنائز (١٩٥٥)، وأبو داود: الجنائز (٣١٣٨).
٤ أبو داود: الأدب (٤٨٤٣).

منها نقية قبلت الماء، فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس، فشربوا وسقوا وزرعوا، وأصاب منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ، فذلك مثل من فقه في دين الله، ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلّم، ومثل من لم يرفع بذلك رأسا، ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به «١ أخرجاه.
وعن ابن عمر أن رسول الله ﷺ قال:»ارحموا تُرحموا، واغفروا يغفر الله لكم، ويل لأقماع القول، ويل للمصرين الذين يصرون على ما فعلوا وهم يعلمون «٢ رواه أحمد.
باب الخوف على من لم يفهم القرآن أن يكون من المنافقين
وقوله تعالى: ﴿ومِنهُمْ مَن يَسْتَمِعُ إلَيْكَ حَتّى إذا خَرَجُوا مِن عِنْدِكَ﴾ [سورة محمد آية: ١٦] الآية، وقوله
﷿: ﴿ولَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الجِنِّ والأِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها ولَهُمْ أعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها﴾ [سورة الأعراف آية: ١٧٩] الآية.
عن أسماء: أن رسول الله ﷺ قال:»إنكم تفتنون في قبوركم كفتنة الدجال أو قريبا من فتنة الدجال، يؤتى أحدكم، فيقال: ما علمك بهذا الرجل؟ فأما المؤمن فيقول: هو محمد رسول الله، جاءنا بالبينات والهدى، فأجبنا وآمنا واتبعنا؛ فيقال: نم صالحا، فقد علمنا إنك لمؤمن؛ وأما المنافق


١ البخاري: العلم (٧٩)، ومسلم: الفضائل (٢٢٨٢)، وأحمد (٤/‏٣٩٩).
٢ أحمد (٢/‏١٦٥).

والمرتاب، فيقول: لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئا فقلته» ١ أخرجاه.
وفي حديث البراء في الصحيح: «إن المؤمن يقول: هو رسول الله، ويقال له: فما علمك؟ فيقول: قرأت كتاب الله فآمنت به وصدقت ٢».
باب قول الله تعالى: ﴿ومِنهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الكِتابَ إلاَّ أمانِيَّ﴾ [سورة البقرة آية: ٧٨] الآية
وقوله: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الحِمارِ يَحْمِلُ أسْفارًا﴾ [سورة الجمعة آية: ٥] الآية. عن أبي الدرداء قال: «كنا مع النبي ﷺ فشخص بصره إلى السماء فقال: هذا أوان يختلس العلم من الناس حتى لا يقدرون على شيء منه، فقال زياد بن لبيد: كيف يختلس منا وقد قرأنا القرآن؟ فوالله لنقرئنه نساءنا وأبناءنا، فقال: ثكلتك أمك يا زياد، إن كنت لأعدك من فقهاء أهل المدينة، هذه التوراة والإنجيل عند اليهود والنصارى، فماذا تغني عنهم؟» رواه الترمذي وقال: حسن غريب.
وعن عائشة
أن رسول الله ﷺ أنزل


١ البخاري: العلم (٨٦)، ومسلم: الكسوف (٩٠٥)، وأحمد (٦/‏٣٤٥)، ومالك: النداء للصلاة (٤٤٧).
٢ وانظر الحديث بطوله في تفسير ابن كثير آية ٢٧ من سورة إبراهيم.

عليه: ﴿إنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ والأرْضِ واخْتِلافِ اللَّيْلِ والنَّهارِ﴾ [سورة البقرة آية: ١٦٤] إلى قوله: ﴿سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النّارِ﴾ [سورة آل عمران آية: ١٩١] قال: «ويل لمن قرأ هذه الآية ولم يتفكر فيها» رواه ابن حبان في صحيحه.
باب إثم من فجر بالقرآن
وقوله تعالى: ﴿وما يُضِلُّ بِهِ إلاَّ الفاسِقِينَ﴾ [سورة البقرة آية: ٢٦]، وقوله: ﴿ومَن لَمْ يَحْكُمْ بِما أنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الكافِرُونَ﴾ [سورة المائدة آية: ٤٤]، وقوله: ﴿إنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الكِتابِ ويَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا﴾ [سورة البقرة آية: ١٧٤] الآية.
وعن أبي سعيد الخدري
أن رسول الله ﷺ قال: «يخرج في هذه الأمة» ١ ولم يقل منها «قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم، يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم وحلوقهم، يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية، فينظر إلى نصله، إلى رصافه، فيتمارى في فوقه، هل علق به من الدم شيء؟» ٢ أخرجاه وفي رواية: «يقرؤون القرآن رطبا».
وكان ابن عمر يراهم شرار الخلق، وقال: إنهم انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفار، فجعلوها على المؤمنين؛ وللترمذي وحسنه، عن أبي هريرة مرفوعا: «من سئل عن علم فكتمه، ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار» ٣.


١ البخاري: استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم (٦٩٣١)، ومسلم: الزكاة (١٠٦٤).
٢ البخاري: استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم (٦٩٣١)، ومسلم: الزكاة (١٠٦٤)، وأحمد (٣/‏٦٠، ٣/‏٦٥).
٣ الترمذي: العلم (٢٦٤٩)، وأبو داود: العلم (٣٦٥٨)، وأحمد (٢/‏٣٤٤).

باب إثم من راءى بالقرآن
عن أبي هريرة، قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه: رجل استشهد، فأتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت، قال: كذبت، ولكنك قاتلت لأن يقال: جريء، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار. ورجل تعلم العلم وعلّمه وقرأ القرآن، فأتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم وعلمته، وقرأت فيك القرآن، فقال: كذبت ولكنك تعلمت العلم ليقال: عالم، وقرأت القرآن ليقال: هو قارئ، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار. ورجل وسع الله عليه وأعطاه من أصناف المال كله، فأتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيه إلا أنفقت فيه لك، قال: كذبت ولكنك فعلت ليقال: هو جواد، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه، ثم ألقي في النار» ١ رواه مسلم./

١ مسلم: الإمارة (١٩٠٥)، والترمذي: الزهد (٢٣٨٢)، والنسائي: الجهاد (٣١٣٧)، وأحمد (٢/‏٣٢١).

==ج14.== الدرر السنية في الاجوبة النجدية 

[تفسير سورة الناس]
وقال أيضا الشيخ محمد
: تفسير سورة الناس:
بسم الله الرحمن الرحيم
وأما قوله: ﴿قُلْ أعُوذُ بِرَبِّ النّاسِ﴾ [سورة الناس آية: ١] فقد تضمنت أيضا ذكر ثلاثة: الأول: الاستعاذة وقد تقدمت؛ الثاني: المستعاذ به؛ والثالث: المستعاذ منه؛ فأما المستعاذ به، فهو الله وحده لا شريك له، رب الناس الذي خلقهم، ورزقهم ودبرهم، وأوصل إليهم مصالحهم، ومنع عنهم مضارهم.
مَلِكِ النّاسِ} [سورة الناس آية: ٢] أي: المتصرف فيهم، وهم عبيده ومماليكة، المدبر لهم، كما يشاء الذي له القدرة والسلطان

عليهم؛ فليس لهم ملك يهربون إليه إذا دهمهم أمر؛ يخفض ويرفع، ويصل ويقطع، ويعطي ويمنع.
﴿إلَهِ النّاسِ﴾ [سورة الناس آية: ٣] أي: معبودهم الذي لا معبود لهم غيره، فلا يدعى ولا يرجى ولا يخلق إلا هو، فخلقهم وصورهم، وأنعم عليهم، وحماهم مما يضرهم بربوبيته، وقهرهم، وأمرهم ونهاهم، وصرفهم كما يشاء بملكه، واستعبدهم بالهيبة الجامعة لصفات الكمال كلها.
وأما المستعاذ منه، فهو: الوسواس، وهو الخفي الإلقاء في النفس، إما بصوت خفي لا يسمعه إلا من ألقي إليه، وإما بصوت كما يوسوس الشيطان إلى العبد؛ وأما الخناس فهو الذي يخنس ويتأخر ويختفي.
وأصل الخنوس: الرجوع إلى وراء؛ وهذان وصفان لموصوف محذوف، وهو الشيطان، وذلك: أن العبد إذا غفل جثم على قلبه، وبذل فيه الوساوس، التي هي أصل الشر؛ فإذا ذكر العبد ربه واستعاذ به خنس.
قال قتادة: الخناس له خرطوم كخرطوم الكلب، فإذا ذكر العبد ربه خنس، ويقال: رأسه كرأس الحية، يضعه على ثمرة القلب، يمنيه ويحدثه؛ فإذا ذكر الله خنس. وجاء بناءه على الفعال، الذي يتكرر منه، فإنه كلما ذكر الله انخنس، وإذا غفل عاد.
وقوله: ﴿مِنَ الجِنَّةِ والنّاسِ﴾ [سورة الناس آية: ٦] يعنى: أن الوسواس نوعان: إنس وجن؛ فإن الوسوسة الإلقاء الخفي، لكن إلقاء

الإنس بواسطة الأذن، والجني لا يحتاج إليها؛ ونظير اشتراكهما في الوسوسة، اشتراكهما في الوحي الشيطاني، في قوله: ﴿وكَذَلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الأِنْسِ والجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إلى بَعْضٍ زُخْرُفَ القَوْلِ غُرُورًا ولَوْ شاءَ رَبُّكَ ما فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وما يَفْتَرُونَ﴾ [سورة الأنعام آية: ١١٢]. والله أعلم، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
آخر الجزء الثالث عشر؛ ويليه الجزء الرابع عشر: «كتاب النصائح»

المجلد الرابع عشر: (كتاب النصائح)
كتاب النصائح

كتاب النصائح
[قول أبناء الشيخ ابن عبد الوهاب في النصيحة والتذكير بنعم الله، وماعليه الناس من التقصير والذنوب]
قال أبناء الشيخ؛ محمد بن عبد الوهاب، أجزل الله لهم الأجر والثواب، آمين:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، ﷺ تسليما.
من إبراهيم وعبد الله وعلي: أبناء الشيخ محمد، إلى من يراه من المسلمين، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
والموجب لهذا: التذكير والنصيحة، والشفقة علينا وعليكم من عقوبة الله، وأنتم تعرفون ما من الله به علينا وعليكم من دين الإسلام، وهو أعظم نعمة أنعم الله بها على جميع المسلمين.
وأكثر الناس اليوم، على الشرك، وعبادة غير الله؛ وأعطاكم الله في ضمن الإسلام، من النعم والنصر على الأعداء ما تعرفون، ولا يجيء أهل الإسلام شيء إلا بسبب

ذنوبهم، فإذا عرفوا الذنب وتابوا منه، نصرهم الله، وأعزهم، وكسر عدوهم، وجعل العاقبة لهم في الدنيا والآخرة، كما قال تعالى: ﴿إنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتّى يُغَيِّرُوا ما بِأنْفُسِهِمْ وإذا أرادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلا مَرَدَّ لَهُ وما لَهُمْ مِن دُونِهِ مِن والٍ﴾ [سورة الرعد آية: ١١] وقال تعالى لخيار الخلق: ﴿أَوَلَمّا أصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أصَبْتُمْ مِثْلَيْها قُلْتُمْ أنّى هَذا قُلْ هُوَ مِن عِنْدِ أنْفُسِكُمْ إنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [سورة آل عمران آية: ١٦٥].
وهذه الأمور: يجريها الله سبحانه وتعالى، ابتلاء وامتحانا، ليميز الخبيث من الطيب، والمؤمن من المنافق، فيجازي المؤمن بالنصر والظفر على عدوه، ويجازي المنافق والمرتاب بالعذاب والنكال، والخزي في الدنيا والآخرة؛ وأنتم ترون أن أغلب البلدان ما صفت وركد ١ الإسلام فيها، إلا بعد الردة، وتمييز الخبيث من الطيب.
فالواجب علينا وعليكم الإقبال على الله، والتوبة والاستغفار؛ وكل يعرف ذنبه، ويتوب إلى الله منه، ولا يجعل الأمر في غيره، قال الله تعالى: ﴿وتُوبُوا إلى اللَّهِ جَمِيعًا أيُّها المُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [سورة النور آية: ٣١] وقال تعالى: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إلى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسى رَبُّكُمْ أنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ ويُدْخِلَكُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِها الأنْهارُ﴾ [سورة التحريم آية: ٨].
والتوبة لها شروط؛ منها: الإقلاع عن الذنب،


١ أي استقر وثبت الإسلام فيها.

والندم، والعزيمة ألا يعود؛ ونحن نخشى علينا وعليكم مما وقع من التقصير والذنوب:
منها: ترك المحافظة على الصلوات الخمس، وهي عمود الإسلام، من حفظها وحافظ عليها حفظ دينه، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع.
ومنها: الغفلة عن التفقه في دين الإسلام، حتى أن من الناس من ينشأ وهو ما يعرف دين الإسلام؛ ومنهم من يدخل فيه، وهو ما يعرفه ولا يفعله، ظنا منه أن الإسلام هو العهد. ومعرفة الإسلام والعمل به، واجب على كل أحد، ولا ينفع فيه التقليد.
ومنها: أن من الناس من يمنع الزكاة، والذي ما يقدر المنع يحبسها؛ والزكاة ركن من أركان الإسلام، واجب أداؤها إلى الإمام أو نائبه، على الأمر المشروع.
ومنها: عدم إنكار المنكر ممن يراه، ويسكت عن إنكاره، خوفا أو هيبة من أحد من الناس، والمنكر إذا خفي لم يضر إلا صاحبه، وإذا فشا ولم ينكر ضر العامة، قال تعالي ﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إسْرائيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وعِيسى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِما عَصَوْا وكانُوا يَعْتَدُونَ كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ﴾ [سورة المائدة آية: ٧٨ - ٧٩].
ومنها: ظهور عقوق الوالدين، وقطيعة الرحم من كثير

من الناس، وذلك من أكبر الكبائر، كما في الحديث: ألا أخبركم بأكبر الكبائر؟ الإشراك بالله، وعقوق الوالدين ١، وفي الحديث الآخر: لا يدخل الجنة قاطع رحم ٢
ومنها: ما يجري من بعض الأمراء والعامة: من الغلول من المغانم، وفيهم من يتحيل على الغلول بالشراء، ولا ينقد الثمن، وذلك حرام؛ قال الله تعالى: ﴿ومَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ القِيامَةِ﴾ [سورة آل عمران آية: ١٦١] وفي الحديث: الغلول نار وعار وشنار ٣.
ومنها: ظلم بعض الأمراء، يأخذ من أموال الناس بصورة الجهاد، ولا يصرفه في الجهاد، بل يأكله، وبعض الأمراء يأخذ جميع الزكاة، ولا يعطي المساكين منها شيئا، والإمام يأمره بإعطاء كل ذي حق حقة، ويعصي ويعمل على رأيه.
والزكاة تولى الله قسمتها في كتابه، وجزأها ثمانية أجزاء، وأخبر النبي ﷺ أنه لا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب. ومن الأمراء والنظراء من يصرف الجهاد عن الأغنياء، ويجعله على الفقراء، الذين لم يجعل الله عليهم شيئًا والجهاد بالمال مقدم على الجهاد بالنفس، فمن كان له مال، وهو يقدر على الجهاد بنفسه، وجب عليه الجميع؛ فإن كان ما يقدر بنفسه، وجب عليه بالمال؛ فإن كان ما يقدر بالمال، ولا بالنفس، فالحرج مرفوع عنه.


١ البخاري: الشهادات ٢٦٥٤، ومسلم: الإيمان ٨٧، والترمذي: البر والصلة ١٩٠١، وأحمد ٥/‏٣٦،٥/‏٣٨.
٢ البخاري: الأدب ٥٩٨٤، ومسلم: البر والصلة والآداب ٢٥٥٦، والترمذي: البر والصلة ١٩٠٩، وأبو داود: الزكاة ١٦٩٦، وأحمد ٤/‏٨٠،٤/‏٨٣،٤/‏٨٤.
٣ ابن ماجه: الجهاد ٢٨٥٠، وأحمد ٥/‏٣١٦.

قال الله تعالى: ﴿لَيْسَ عَلى الضُّعَفاءِ ولا عَلى المَرْضى ولا عَلى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إذا نَصَحُوا لِلَّهِ ورَسُولِهِ ما عَلى المُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ واللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [سورة التوبة آية: ٩١] والإمام ينهى الأمراء عن تحميل الناس ما لا يستطيعون، ويعصونه في ذلك، وتحميل الفقير ما لم يحمله الله ذنب؛ ومعصية الإمام إذا نهى عن ذلك ذنب آخر.
ومنها: اختلاط الجيد بالردي، وصاحب الدين بالمنافق، ولا يميز هذا من هذا، ووقع بسببه ظهور الكلام الباطل، الذي لو يظهر من أحد في أول الإسلام، أدب أدبا بليغا، وعرف أن قائله منافق، وفي وقتنا هذا يظهر ولا ينكر، إلا ما شاء الله.
ومنها: الظلم والوقوع فيما حرم الله، من الدماء والأموال والأعراض، والغيبة والنميمة، وقول الزور، وبهت المسلم بما ليس فيه، وصار هذا ما يستنكر، فإذا بان كذبه وتزويره، ما سقط من العيون، والله سبحانه وتعالى حرم هذا في كتابه.
وقال رسول الله ﷺ فيما ثبت عنه: إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا وقال تعالى {والَّذِينَ يُؤْذُونَ المُؤْمِنِينَ والمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ..

ج15.الدرر السنية في الاجوبة النجدية

وغير ذلك، أخذ يقول: خلّ عنا طوعك، ويعلج لسانه.
وهذا من أعظم المنكرات، ولكن لعدم مبالاتهم، لا يبالون بوقوعه منهم، بل عده العلماء من المحبطات للإيمان، والكفر بعد الإيمان، واستدلوا بقوله تعالى: ﴿قُلْ أبِاللَّهِ وآياتِهِ ورَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ﴾ [سورة التوبة آية: ٦٥].
وقد ترجم شيخنا، الشيخ: محمد بن عبد الوهاب،
تعالى، في «كتاب التوحيد»ترجمة ذكر فيها الآيات، والأحاديث الدالة على انتقاض إسلام متعاطي مثل ذلك، وذكر أيضا في بعض رسائله، أنه داخل في مثل ذلك: مد الشفة وغمز بالعين.
وقد ذكر لنا أن عبد الله بن الشيخ لما غزا مع عبد الله بن سعود، ومر رجل من المسلمين رجلا يغني، فنهاه عن ذلك، ثم رد عليه المنهي وقال: خلّ عنا طوعك؛ أنكر ذلك الشيخ عبد الله غاية الإنكار، وذهب إلى عبد الله بن سعود، وقال: تغزو العدو البعيد، وتترك العدو الباطني؟ فأمر به فضرب.
وهذا أمر يقع ولا يبالى به، ولا يرى منكرا؛ وإن رئي منكرا، فلا أحد ينكره؛ ويتعاطاه متعاطيه عامدا لذلك، عالما به أنه منكر.
ومن المنكرات: مخالطة الرجال للنساء الأجنبيات، في الأسواق والسكك، لا سيما أيام العرضات، ومع ذلك تجدها ووجهها باد، وما عليها إلا شيلة رهيفة، وتجدها تقف للرجال تنظر إليهم وينظرون إليها؛ وأول معصية وقعت في

بني آدم، خلطة الرجال بالنساء، ثم الزنى.
ومن المنكرات: قذف الرجال بعضهم بعضا، والنساء بعضهن بعضا؛ يقول الرجل لأخيه: يا زاني، يا ولد القحبة؛ وتقول المرأة لأختها: يا زانية، يا قحبة؛ وهذا من أعظم المنكرات، بل من السبع الموبقات.
ومن المنكرات أيضا: لعن الرجل لأخيه، ولعن الصبيان بعضهم بعضا، ومع ذلك هذه المنكرات لا يبالى بها، ولا ينكرها منكر؛ وإن أنكرت فعلى ضعف؛ وقد أعظم القرآن والسنة أمرها وشناعتها، ليست بخافية على العامة، فضلا عن الخاصة.
فيجب على ولاة الأمور إنكار المنكرات، والأمر بالمعروف؛ وقد ذكر بعض العلماء أن على ولاة الأمور عبودية تخصهم ليست على غيرهم، وعلى العلماء عبودية تخصهم؛ فعلى ولاة الأمور تنفيذ أمر الله، وعلى العلماء التبليغ والنصح، وعدم الغفلة عن التناصح، لمن له قدرة على ذلك؛ وعلى العامة القبول والمساعدة
ومما هو لازم وواجب: قسر الجاهل على تعلم دينه بدليله؛ ومن ذلك: زجر الناس من أكل أعراض بعضهم بعضا؛ وبالجملة: فكل ما حرم الله فهو منكر، وكل ما أمر الله به فهو معروف، فيجب إنكار المنكر، والائتمار بما وجب من الأمر، والله أعلم، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.

فائدة: روي أن عيسى - على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام - مر على قرية فوجد أهلها أمواتا على الطرقات من غير دفن، فسأل ربه عنهم، فأوحى الله تعالى إليه: إذا كان الليل، فادعهم إنهم يجيبونك.
فلما كان الليل ناداهم، فقال رجل منهم: لبيك يا روح الله؛ قال: ما قصتكم؟ قال: بتنا في عافية، وأصبحنا في الهاوية، قال: ولِمَ؟ قال: بحبنا للدنيا كحب الصبي لأمه، إذا أقبلت فرح، وإذا أدبرت بكى؛ قال: فما بال أصحابك لم يجيبوني؟ قال إنهم ملجمون بلجام من النار، بأيدي ملائكة غلاظ شداد.
قال: كيف أنت أجبتني من بينهم؟ قال: لست منهم، بل مررت بهم، فلما نزل العذاب أصابني ما أصابهم، وأنا مطروح على شفير جهنم، فلا أدري أنجو أم لا.
وفقنا الله وإياكم إلى طريق الخير والصلاح والهدى، وعصمنا وإياكم من أسباب الجهل، وطريق المعاصي والردى، وسلمنا من شرور أنفسنا، فإن النفس أشر العداء؛ والله أعلم، وصلى الله على محمد وصحبه وسلم.
آخر الجزء الرابع عشر من الدرر السنية ويليه
الجزء الخامس عشر إن شاء الله تعالى.

المجلد الخامس عشر: (القسم الأول من البيان الواضح وأنبل النصائح عن ارتكاب الفضائح)
مقدمة

[مقدمة]
القسم الأول من البيان الواضح وأنبل النصائح عن ارتكاب الفضائح
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي جعل في كل فترة بقايا من أهل العلم، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، يبصرونهم عن العمى، ويصبرون منهم على الأذى. وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله الأولين والآخرين، أنزل كتابه المبين، هدى ورحمة، وذكرى للمؤمنين.
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الصادق الأمين، أرسله الله تبصرة ورحمة للعالمين، صلى الله عليه، وعلى آله وأصحابه والتابعين، وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليما كثيرا.
وبعد: فحيث حصل بسبب الاختلاط بأهل الخارج، المشابهة في بعض المحظورات، من أنظمة، وتعليم، وترك فرائض، ومشابهة في المكس، واللباس، وحلق اللحى، والتصوير، والتبرج، والملاهي، والتنزه، وغير ذلك مما حدث في هذا العصر، وهو ما بعد وفاة الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف
، سنة ١٣٣٩ هـ.

مع أنهم لا يرون أنهم في رتبة طبقة الشيخ عبد الرحمن بن حسن، والإمام فيصل، وكذلك أولئك، لا يرون أنهم يماثلون طبقة مجدد الدعوة، وذريته الذين بذلوا مهجهم، وأبناءهم، وأموالهم، في جهاد من يليهم، إلى أن يدخلوهم في الإسلام طوعا وقسرا، فضلا عن عصر النبوة والخلفاء الراشدين، ومن بعدهم من الأئمة المهديين، فلما حدث من ذلك، من المعاول الهدامة لدين الإسلام، استعنت بالله جل وعلا، أن أثبت ما وقفت عليه من نصائح بعض علمائنا ١ وما لم أقف على شيء منه، أورد قبله ما تيسر بلاغا عن الله، وإقامة لحججه وبيناته من كتاب الله وسنة نبيه، على عباده، وتوكلا على الله، واتباعا لقوله تعالى: ﴿يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ولا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ﴾ [سورة المائدة آية: ٥٤]، وامتثالا لما ثبت عنه ﷺ من قوله: «وأن تقول الحق ولا تخاف في الله لومة لائم»
وأسأله تعالى أن يوفق علماء هذا العصر، الذين هم ما بين قاض ومعلم وغيرهم، بأن يتساعدوا مع ولاة الأمر، على أن يخففوا وطأة هذه المنكرات التي حدثت، فيبنوا ما تهدم مما أطده سلفهم، إلى أن يعود الأمر إلى نصابه. وأبدأ بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حيث إنه


١ وبعض ما وقفت عليه، أضفته إلى مجموع رسائلهم، كل رسالة فيما يليق بها من تلك المجلدات.

إذا استقام قضى على تلك المحظورات، فأقول:

[الباب الأول في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر]
الباب الأول
أوجب الله الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأثنى على من قام به، فقال تعالى: ﴿ولْتَكُنْ مِنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلى الخَيْرِ ويَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ ويَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ وأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ﴾ [سورة آل عمران آية: ١٠٤]، وقال: ﴿والمُؤْمِنُونَ والمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ ويَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ﴾ [سورة التوبة آية: ٧١]، وقال: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّاسِ تَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وتَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ﴾ [سورة آل عمران آية: ١١٠]
وقال النبي ﷺ: «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان» ١، وفي رواية: «وليس وراء ذلك حبة خردل من إيمان» ٢، وقال ﷺ «لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، ولتأخذن على يد السفيه، ولتأطرنه على الحق أطرا، أو ليعمنكم الله بعقاب من عنده» ٣.


١ مسلم: الإيمان (٤٩)، والترمذي: الفتن (٢١٧٢)، والنسائي: الإيمان وشرائعه (٥٠٠٨،٥٠٠٩)، وأبو داود: الصلاة (١١٤٠) والملاحم (٤٣٤٠)، وابن ماجه: إقامة الصلاة والسنة فيها (١٢٧٥) والفتن (٤٠١٣)، وأحمد (٣/‏١٠،٣/‏٢٠،٣/‏٤٩،٣/‏٥٢،٣/‏٥٤،٣/‏٩٢).
٢ مسلم: الإيمان (٥٠).
٣ أبو داود: الملاحم (٤٣٣٦).

ويأتي من النصائح ما فيه كفاية.
[نصيحة الشيخ عبد الله بن محمد بن حميد]
وأبدأ بنصيحة الشيخ عبد الله بن محمد بن حميد، لتصويره الواقع فيها، فقال
تعالى ١:
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبد الله بن محمد بن حميد، إلى كافة إخواننا المسلمين، وفقني الله وإياهم للعمل بما يرضيه، وجنبنا أسباب سخطه ومناهيه، آمين. سلام عليكم ورحمه الله وبركاته.
وبعد: فلا يخفى ما أصيب به الإسلام والمسلمون، من الشرور والفتن، والدواهي والمحن، وأن الإسلام قد أدبر وآذن بالوداع، والنفاق قد أشرف وأقبل باطلاع. والإسلام بدأ يرتحل من عقر داره، لتقصير أهله إذ لم يشرحوا للناس محاسنه وفضائله وحكمه وأسراره؛ ولم يقوموا بالدعوة إليه، بغرس محبته في القلوب بذكر ما تقدم؛ فإن الآيات القرآنية الدالة على الدعوة أكثر من آيات الصوم والحج اللذين هما ركنان من أركان الإسلام الخمسة.
والاجتماع المأمور به، في قوله تعالى: ﴿واعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا﴾ [سورة آل عمران آية: ١٠٣] تهدمت مبانيه،

  ١ نقلت من الطبعة الثالثة في مؤسسة النور.

  ج16.الدرر السنية في الاجوبة النجدية

ولهذا نرى النشء الجديد المتعلم في مدارس الشركات، لا قدر للدّين عندهم، ولا بصيرة لهم فيه، لضعف تعليمه عندهم.
ومتى ضعفت البصيرة في الدين والقلوب، وتعلقت بغيره، انهارت الأديان والأخلاق كما هو مشاهد؛ وهذا النشء المتعلم في مدارس الشركات في الداخل أو الخارج، وبعض العمال، هم أكبر سلاح على أمتهم في إفساد الأخلاق والأديان، فلا يغتر بهم.
أيها المسلمون العزة لله ولرسوله وللمؤمنين، ولا تهنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين، لا تذلوا أنفسكم لأعداء الله، ولا تبيعوا دينكم بعرض من الدنيا هل من سامع للنصيحة؟ هل من مطيع لأوامر الله ورسوله؟ هل من منته عما

نهى الله ورسوله عنه؟ فيسعد في الدنيا والآخرة.
فإن اضطررتم أيها المسلمون إلى العمل بالأجرة، في معامل هذه الشركات الأجنبية، وبليتم بمخالطة هؤلاء الأجناس الأرجاس، الذين لا دين لهم مستقيم، ولا أخلاق شريفة، فإن حكومتكم أيدها الله، قد أخذت لكم الحقوق منهم تامة، ورفعت لكم الأجور، وحفظت لكم المصالح، وميزتكم عمن سواكم، لشرف الإسلام.
فعليكم بتقوى الله سبحانه وتعالى، والقيام بواجبات الإسلام، والعمل بتعاليمه؛ وأعظمها بعد الشهادتين: الصلاة في أوقاتها جماعة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لجماعتكم المسلمين، وأداء النصيحة لهم، والبعد عمن أخل بدينه منهم، اهجروهم، لا تؤاكلوهم، ولا تشاربوهم، ولا تجالسوهم، واحذروا منهم: وبيّنوا حالهم ليعاملوا بما يستحقونه.
ولا تخضعوا للكافرين، ولا تبدؤوهم بالسلام، ولا تعظموهم في شيء من الأمور، وأظهروا لهم البغضاء والعداوة، وأدوا الأمانة لمن ائتمنكم، ولا تخونوا من خانكم، وخذوا ما لكم من الحقوق، وأدّوا ما عليكم منها، ولا تطيعوا في معصية الله أحدا أبدا كائنا من كان. «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق» ١.
لا تبدؤوهم بالسلام، ولا تقوموا لهم، وإذا لقوكم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه، ولا تقلدوهم في شيء من


١ مسلم: الإمارة (١٨٤٠)، والنسائي: البيعة (٤٢٠٥)، وأبو داود: الجهاد (٢٦٢٥)، وأحمد (١/‏١٣١).

أمورهم وأفعالهم، خالفوا اليهود، يقول نبيكم ﷺ: «من تشبه بقوم فهو منهم» ١، واحذروا شرب شيء من المسكرات، واستماع الغناء وآلات اللهو، كالسينما، والصندوق، والربابة، والسمسمية، والمزامير، سواء أكانت من الراديو أو غيره. وصلى الله على محمد.
آخر الجزء الخامس عشر ويليه السادس عشر
وفيه بقية البيان الواضح، وتراجم أصحاب تلك الرسائل والأجوبة.


١ أبو داود: اللباس (٤٠٣١).

المجلد السادس عشر: (القسم الثاني من البيان الواضح، وتراجم أصحاب تلك الرسائل والأجوبة)
الباب التاسع (تابع)
الفصل الثالث: السبب الأعظم لضعف العلم والإسلام

بسم الله الرحمن الرحيم
القسم الثاني من البيان الواضح
الفصل الثالث من الباب التاسع [السبب الأعظم لضعف العلم والإسلام]
والسبب الأعظم لضعف العلم والإسلام، والكسر الذي لا ينجبر، والطامة الكبرى: استجلاب معلمين ملحدين من البلدان المنحلة، لنشر الثقافة - يعني الغربية - ورفع الأمية.
ويحملون معهم برنامج التعليم الذي يشتمل على فنون محظورة، من تصوير، وغيرها مما له معاهد في تلك الأوطان في بلادهم، التي أعرضت عن دين الله وشرعه، واشتهرت فيها شعائر الكفر، ليجتثوا الإسلام من أصله، بسبب ما هم عليه من عداء، وما في قلوبهم من حقد، قال تعالى: ﴿إنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أعْداءً ويَبْسُطُوا إلَيْكُمْ أيْدِيَهُمْ وألْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ ووَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ﴾ [سورة الممتحنة آية: ٢].
وقد أخذ عنهم أكثر الشباب مواد تعليمهم وتخلقوا بأخلاقهم، فيا ليتنا تلقيناهم بنحورنا نصرة لدين الله فمنعناهم، أو نلنا الشهادة؛ وعذرنا غدا بين يدي رب

العالمين؛ وفضل الجهاد في سبيل الله قد أفرد بالمصنفات، وفي أثناء كتب الحديث وغيرها.
وقد حدثني من لا أتهم: أن فلانا قال للشيخ عبد الرحمن بن حسن: يا شيخ عبد الرحمن، جدك الشيخ محمد جاء بشجرة لا إله إلا الله، فغرسها في بلدة العيينة، فصارت الأرض صلدة سبخة، فحملها إلى الدرعية، فصارت الأرض خصبة، فسقاها بالدعوة، وحماها محمد بن سعود بالسيف، فأينعت، وأراها في عصركم خوت؛ هذا والشيخ عبد الرحمن بن حسن يقول: لو ظهر علينا أهل الدرعية لقاتلونا.
وفي عصر الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف وطبقته صارت أشد خويانا، لأن المحتسبين في عصر الشيخ عبد الرحمن بن حسن أمسكوا كاتب الإمام فيصل، خرج من بيت فيه عزب، وطلبوا من الإمام ضربه في السوق، فقال: اضربوه في الحوشة.
فأتوا إلى الشيخ عبد الرحمن بن حسن، فقال للإمام فيصل: يضرب الرجل في السوق؛ فقال الإمام: يضرب في الحوشة، فقال الشيخ: نسلم عليك، وخرج من الرياض إلى بلدة الحوطة.
فتبعه الإمام فيصل، وطلب منه أن يرجع؛ فقال: عاهدناك على دين الله ورسوله، ولا أرجع حتى تعاهدني

الآن على ذلك، والرجل يضرب في السوق، فعاهده، وضرب في السوق.
وفي عصر الشيخ عبد الله: كنت أسير معه من المسجد إلى بيته في بعض الأيام، وذات يوم تبعه رجل من الإخوان، فأدركه في أثناء الطريق، فقال: يا شيخ عبد الله، هذا الكافر «فلبى» يدخل المسجد، أفلا نقتله؟ قال: لا يا ولدي، قال: أفلا نخرجه منه؟ ولم أحفظ ما قاله، فالتفت الشيخ إليه، فإذا هو قد ولى مدبرا، فالتفت إلي ودموعه على خديه، وقال بحزن: إيه سوف يعلمون. وأخبرني الشيخ عبد العزيز بن صالح بن مرشد باسم الرجل، وقال: إنه قال: أخرجوه أخرجوه، سوف يعلمون، سوف يعلمون، فلا أدري هل ما قاله مرة أخرى، أو تلك المرة، لأنه يقيم في البلد، ومن أخص الناس بالشيخ عبد الله.
وكان الشيخ سعد بن عتيق يذكر الناس في السوق، ولما مر بقوله ﷺ «طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه في سبيل الله» ١ وأنهى الكلام عليه، قام على قدميه ورفع صوته وهو يبكي فقال: ينزل النصراني في بيت أرفع من بيوت المسلمين التي حوله؟! وأزعج الناس. وكان عنده من رجال الملك عبد العزيز، فأخبروه،


١ البخاري: الجهاد والسير (٢٨٨٧).

ثم توجه الملك إلى الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف، وذكر له ما قال الشيخ سعد في السوق، فقال الشيخ عبد الله: نحن سكتنا، وتكلم الشيخ سعد بالواجب.
وفي هذا العصر ضعفت الغيرة الدينية من الأكثر، بسبب القادمين من بلاد الخارج، والتابعين لهم، فجاؤوا إلى شجرة لا إله إلا الله، التي جاء بها وغذاها المصلح، وأيدها بسيفه الناصر للدين، ليقتلعوها من وطن ازدهرت فيه برهة من الزمن.
إن لم تدارك بتكاتف العلماء، ومساعدة الرؤساء، فلسوف تزال، كما زالت من تلك الأمصار، التي كانت هي مقر الإسلام وولاته، ومجتمع العلماء، وتبليغ العلم؛ وفي انحرافهم لنا عبرة ألا نسلك مسالكهم، وألا يتسرب إلينا باطلهم.
وجدير بولاة الأمر والعلماء الاقتفاء بآثار آبائهم وسلفهم الصالح، وأن يبنوا ما تهدم من بنائهم الرفيع، ليفوزوا بحسن الثناء في الدنيا، والأجر الجزيل في الآخرة، وألا يذهب العلم والإسلام من وطنه الذي بناه سلفهم الصالح، وأن يقتفوا آثارهم في تعليم العلم وحماية الإسلام، وأن يزيلوا بدع ما جاء به أذناب المنحلين من صفة تعلمهم المضعف للعلم.

وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية : العلوم المفضولة إذا أضعفت العلم، حرمت، فكيف بالعلوم المحظورة، ثم بترقب شهادات لمقدار الأجر؟! وفي الحديث: «من تعلم علما مما يبتغى به وجه الله، لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا، لم يجد عرف الجنة يوم القيامة» ١ يعني: ريحها.
وذكر لنا الشيخ عبد الله بن محمد بن حميد عن العاصمي، فقال ما معناه: إن أول مدرسة نظامية بنيت ببغداد، وطلب لها العلماء، وأجري لهم ولطلاب العلم مرتبات، والتحق بها كثير؛ ولما علم علماء بخارى بكوا بكاء شديدا، متأسفين على العلوم الإسلامية. فقيل لهم: ما هذا البكاء؟ وما هذا الجزع؟ ما هي إلا مدرسة دينية للعلم، كالتفسير، والحديث، والفقه، وغيرها؛ فقال العلماء: إن العلم شريف في نفسه سام، لا يحمله إلا النفوس السامية الزكية الشريفة، ويشرفون بشرف العلم. أما إذا أجريت المرتبات لطلابه، أقبل إليه من لا خير فيه، من السقطة والأراذل الذين يريدون بتعلمهم العلم لنيل المناصب، والوظائف، وأخذ المرتبات، فيزول العلم ويسقط بسقوط وإزالة حملته، فيصبح العلم الشريف لا قيمة له.


١ أبو داود: العلم (٣٦٦٤)، وابن ماجه: المقدمة (٢٥٢)، وأحمد (٢/‏٣٣٨).

ثم قال العاصمي: أما اليوم فلا طالب ولا مطلوب، ولا راغب فيه ولا مرغوب، لفساد الزمان. انتهى. وذلك في تلك العصور المعروف عن أهلها الجد في العلم النافع، واتساعه في أقطار الأرض؛ وفي هذا العصر، في العقد التاسع من القرن الرابع عشر، خلت المساجد، وبنيت المدارس، وأجريت الأجور، وأثبتت الشهادات لكل فصل، لمقادير الأجور والرتب. فيا حسرتاه! واحزناه! وارباه! واحر قلباه! لقد غزانا في هذه البقعة المباركة، التي ازدهرت فيها هذه الدعوة المباركة، وفيها مهابط الوحي: الألوف من أهل الخارج، ذكورا وإناثا، باسم التعليم والتربية، والتمريض، وغيرها. وفي برنامجهم: الحقوق، والطبيعة، والتصوير، والمادة وغيرها مما يزيد على ثلاثين فنا لإضعاف العلم النافع، أمنية أعداء الإسلام ليملكوا المسلمين. فيا لله! يا للمسلمين! وفيما ذكره علماؤنا الذين لهم غيرة لله كفاية.

[رسالة الشيخ عبد الله بن محمد بن حميد إلى حضرة معالي وزير المعارف يوصيه بتقوى الله، ويظهر تأسفه الشديد بشأن بث الأخلاق السيئة]
قال الشيخ عبد الله بن محمد بن حميد،
تعالى:
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبد الله بن محمد بن حميد، إلى حضرة معالي وزير المعارف، حفظه الله. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، على الدوام، أدام المولى على الجميع نعمه.
وبعد: فإني أوصيك ونفسي بتقوى الله تعالى، ومراقبته في السر والعلانية؛ فإنها سبيل السلامة والنجاة في الدنيا والآخرة. وإني أسطر لكم هذه الأحرف، حينما بلغني ما يسوؤني ويسوؤكم، ويسوء كل مسلم غيور على دينه، وعلى الأمة الإسلامية والأخلاق الحسنة.
فإن هذه الوزارة التي هي وزارة المعارف، والتي أنتم تديرونها وأنتم الرائد الأول لها، قد أصبحت الآن مصدرا كبيرا لبث الأخلاق السيئة، وتبلبل الأذهان، واضمحلال العقيدة السلفية التي غرسها أوائلكم الأفاضل، في هذه الجزيرة.
وإنا والله نأسف أشد الأسف أن يحصل مثل هذا مع وجودكم، وأنتم الآن بأيديكم زمام هذا النشء، وتستطيعون قيادته إلى المكان الأعلى، ومع ذلك تهملون هذا الإهمال المتناهي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ج9 كتاب الترغيب والترهيب للمنذري{من5655 الي 5766.}

  ج9 كتاب الترغيب والترهيب من الحديث الشريف عبد العظيم بن عبد القوي المنذري أبو محمد سليمة وفاكهة وخضرة وحبرة ونعمة في محلة عالية بهية...