9 مصاحف

9 مصاحف الكتاب الاسلامي
حسبي الله ونعم الوكيل

حسبي الله ونعم الوكيل

 

Translate

الاثنين، 5 يونيو 2023

ج5وج6ج7وج8.االدرر السنية في الاجوبة النجدية

 

 ج5 الدرر

وهو الصلاة جماعة، وبين ما هو السنة في حقه، وهو القصر، بأن وجد جماعة مسافرين يصلون قصرًا، صلى معهم، وإلا صلى مع الجماعة المقيمين، ولزمه حينئذ الإتمام؛ وهذه إحدى الصور الإحدى والعشرين، التي يلزم المسافر الإتمام فيها.
وأما إذا صلى من يباح له القصر، مع المقيم ركعتين من آخر صلاته، ثم سلم معه، فإنها لا تنعقد هذه الصلاة، إن أحرم بها ناويا القصر، عالمًا وجوب الإتمام عليه، كنية المقيم القصر؛ وأما إن كان جاهلًا فإنها تنعقد، ويلزمه إتمامها أربعًا، لائتمامه بالمقيم، كما تقدم في التي قبلها.
سئل الشيخ عبد الله أبا بطين: عمن بعرفة ممن نوى الإقامة أكثر من أربعة أيام؟
فأجاب: أما الحاج الذي نوى الإقامة أكثر من أربعة أيام بمكة، فالجمهور أنه يجوز له الجمع بعرفة ومزدلفة. وأما القصر بعرفة فالاحتياط الإتمام.
سئل الشيخ سليمان بن سحمان: عمن دخل البلاد وقت العصر، والقتال يعمل في أطرافها، فأمرهم مفت بإتمام الصلاة، فمنهم من أتم ومنهم من قصر، فأمر من قصر بإعادة الصلاة؟
فأجاب: اعلم أن الذين قصروا الصلاة وجمعوا في حال

الاشتغال بقتال العدو، لم يكونوا حينئذ مقيمين، حتى يؤمروا بإتمام الصلاة، والأولى في حقهم قصر الصلاة لا إتمامها، وليس مع من أمرهم بالإتمام والحالة هذه دليل يجب المصير إليه. وأما أمرهم بالإعادة إذا كان الأمر على ما وصفت فهو خطأ، ولم يقل بهذا والحالة هذه أحد من العلماء. إذا عرفت ذلك، فاعلم: «أن النبي ﷺ أقام بتبوك عشرين ليلة يقصر الصلاة» ١، ومن المعلوم أنهم يعلمون أن العدو لا يمكنه القدوم إليهم في أربعة أيام، وكذلك أقام يوم الفتح بمكة ثمانية عشر يومًا يقصر فيها الصلاة، وفي حجة الوداع أقام بمكة عشرة أيام يقصر الصلاة.
ومن المعلوم أنهم مجمعون على الإقامة إلى انقضاء نسك الحج - إلى أن قال - قال ابن عبد البر،
: وروي عن أنس: «أنه أقام سنتين بنيسابور يقصر الصلاة»، وقال أبو إسحاق السبيعي: «أقمنا بسجستان، ومعنا رجال من أصحاب ابن مسعود سنتين نصلي ركعتين»، «وأقام ابن عمر بأذربيجان ستة أشهر يصلي ركعتين، وكان الثلج حال بينهم وبين القفول»، «وأقام مسروق بسلسلة سنتين - وهو عامل عليها - يصلي ركعتين حتى انصرف»، يلتمس السنة بذلك. وعن شقيق قال: «خرجت مع مسروق بسلسلة حين استعمل عليها، فلم يزل يقصر الصلاة حتى وصلن.، فقال: يا أبا عائشة، ما حملك على هذا؟ قال: اتباع السنة»، وقال أبو جمرة: "قلت


١ سنن الترمذي: كتاب الصوم (٧٩٩)، وسنن ابن ماجة: كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها (١٠٧٦).

لابن عباس: إنا نطيل المقام بالقرية بخراسان، فقال: صل ركعتين، وإن أتممت عشر سنين». انتهى.
فهذا ما ذكره ابن عبد البر عن الصحابة،
، ومن بعدهم من التابعين، وأنه ما حملهم على ذلك إلا اتباع السنة؛ وأما عمل المسلمين من وقت الدرعية إلى يومنا هذا، فاعلم: أن الذي ظهر واشتهر بالاستفاضة والاستقراء، أن الإمام سعود بن عبد العزيز أقام في ثاج مدة طويلة يقصر فيها ويجمع، وكذلك أقاموا في الحناكية مدة طويلة يقصرون الصلاة ويجمعون، وكذلك فيصل بن سعود، أقام في أرض الحجاز نحوًا من ستة أشهر، يقصر فيها الصلاة.
ولما غزا الإمام فيصل بن تركي، ومعه الشيخ عبد اللطيف، أقاموا في مسيمير اثني عشر شهرًا يقصرون الصلاة ويجمعون، ولا أقاموا في هذه المدة جمع. والإمام عبد الله بن فيصل، ومعه الشيخ عبد اللطيف، لما غزوا بلدان الدواسر، أقاموا في الحيانية نحوًا من شهرين، ثم نزلوا الأفلاج وأقاموا فيها مدة طويلة، ثم ارتحلوا إلى الوادي وأقاموا فيه أكثر من شهرين، يقصرون الصلاة في هذه المدة الطويلة. فهذا عمل المسلمين من وقت الدرعية إلى يومنا هذا، يقصرون الصلاة في مغازيهم؛ هذا ما ظهر لي.
سئل الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد، رحمهما الله: عن البدو إذا كان معهم أهلهم ويتبعون المرعى … إلخ؟

فأجاب: لا نجعلهم كالمقيمين أبدًا، ولا كالمسافرين مطلقًا، بل هذا محل تفصيل: فأما إذا نزلوا منْزلًا ونووا استيطانه ما دام المرعى فيه، أو نووا الإقامة وقتًا دون وقت، أو نزلوا على ماء ونووا الإقامة عليه ما وجدوا لدوابهم مرعى، أو نووا الإقامة على هذا الماء وقتًا دون وقت، فهم والحالة هذه مقيمون تثبت لهم أحكام الإقامة، ولا يستبيحون رخص السفر، لأن هذا هو الاستيطان في حق هؤلاء، والعرف يشهد بذلك. وأما إذا ظعنوا من هذه المنازل وما أشبهها إلى منْزل آخر، أو من ماء إلى ماء، وما بين المنْزلين أو الماءين مسيرة يومين قاصدين، فإنهم حينئذ يسمون مسافرين، لأن هذا يسمى سفرًا في حق هؤلاء؛ وكلام صاحب الإقناع على سبيل التمثيل لا الحصر: وقد ذكروا في الملاح الذي معه أهله وليس له نية الإقامة ببلد، أنه ليس له الترخص، فيعتبر في السفر كونه منقطعًا لا دائمًا.
ولا بد مع ذلك من اجتماع أمرين، أن يكون البدوي معه أهله، وأن لا ينوي الإقامة في موضع، فإن اختل شرط منها أبيح له رخص السفر؛ فالبدوي بمنْزلة الملاح في السفينة، كما أن الملاح لو نوى الإقامة وهو في سفينة في موضع من البحر، ثم سافر إلى موضع آخر لحمل متاع أو غيره، حكمنا بأنه مسافر ولو كان أهله معه؛ وهذا هو الذي يظهر لنا ونفهم من معنى كلام الله ورسوله، لأن الله تعالى يقول:

﴿وإذا ضَرَبْتُمْ فِي الأرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ﴾ [سورة النساء آية: ١٠١]، وقال: ﴿فَمَن كانَ مِنكُمْ مَرِيضًا أوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِن أيّامٍ أُخَرَ﴾ [سورة البقرة آية: ١٨٤]، أطلق سبحانه للمسافر قصر الصلاة والفطر في رمضان، ولم يخص في ذلك القروي دون البدوي، ولا من معه أهله دون من ليس معه أهله، ولا نعلم فيما ذكرنا خلافًا بين أهل العلم.
وأجاب الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين: أما محال ١ البدو من موضع إلى موضع آخر يبلغ المسافة سفرًا مستمرًا، وعزيمة جازمة، فإنه يجوز لهم القصر.
سئل الشيخ حمد بن ناصر بن معمر: عن الجمع بين الظهرين … إلخ؟
فأجاب: أما المسافر فيجوز له الجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء. وصلاة كل فرض في وقته أفضل من الجمع إذا لم يحصل مشقة، والجمع في الحضر لأجل مشقة المطر جائز.
سئل الشيخ حمد بن عتيق،
: عن أهل البلد إذا حاصرهم عدو … إلخ؟
فأجاب: المستوطنون ببلادهم إذا جاءهم عدو،


١ أي سفرهم.

واشتغلوا بالدفع عن أنفسهم وبلادهم وذراريهم، يجمعون ولا يقصرون.
سئل الشيخ عبد الله أبا بطين: عن الجمع للنساء في البيوت … إلخ؟
فأجاب: الجمع للنساء في البيوت إذا وجد مطر يبل الثياب، ويوجد معه مشقة وريح شديدة، ما أرى الفتيا بجوازه، لأنهن لا جماعة عليهن.
سئل الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن الشيخ: عمن نوى جمع تأخير حيث يجوز له الجمع، فدخل وقت الثانية قبل أن يصلوا إلى الماء … إلخ؟
فأجاب: أما الذين نووا جمع تأخير فدخل وقت الثانية قبل أن يصلوا إلى الماء، فالأفضل في حقهم أن يؤخروا الصلاة إلى الماء، ما لم يدخل وقت الضرورة، فإن صلوا قبل وصولهم إليه أجزأتهم الصلاة بالتيمم، ولا إعادة عليهم؛ ووقت الاختيار للثانية وقت للأولى، في حق من يجوز له الجمع إذا نواه.
وأجاب الشيخ حسن بن حسين بن الشيخ محمد: له أن يؤخر الأولى جمعًا مع الثانية، لجواز الجمع للمسافر مطلقًا تحقق وجود الماء، أو ظنه في وقت الثانية أم لا، على المشهور في مذهب أحمد؛ بل حكى في الفروع عن

بعضهم: أن الجمع في السفر في وقت الثانية أفضل، وأنه مذهب الشافعي. وقال المنقح في تصحيح الفروع: جزم به في الهداية والخلاصة، وقال ابن تميم: نص عليه. انتهى. وقال أبو العباس في المسألة المسماة بتيسير العبادات: الجمع بين الصلاتين بطهارة كاملة خير من أن يفرق بين الصلاتين بتيمم، والجمع بين الصلاتين مشروع لحاجة دنيوية، فلأن يكون مشروعًا لتكميل الصلاة أولى؛ والجامع بين الصلاتين مصل في الوقت. وقال في موضع آخر: الجمع بين الصلاتين يصير الوقتين وقتًا لهما، وقاله في الإنصاف وغيره.
سئل الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف: عن جمع حافري القليب؟
فأجاب: أما تأخير الظهر إلى أول وقت العصر لحافري القليب، فذكر الفقهاء أنه يجوز للعذر والشغل، وهذا من الشغل، والله أعلم.
وأجاب الشيخ عبد الله بن عبد العزيز العنقرى: إن أمكنت الصلاة في بطن البئر فلا بأس بذلك، وإن لم تمكن وصار الحال كما ذكر من وجود الضرر بمشقة الخروج، أو فوات المقصود برجوع الماء، وعدم إخراج حفير البئر، فتؤخر الصلاة إلى آخر وقت الظهر، ثم يصليها إذا خرج في آخر وقتها؛ ووقت الظهر يمتد إلى دخول وقت العصر.
سئل الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود: هل يجوز

الجمع بين الصلاتين لغير عذر، لحديث ابن عباس المخرج في صحيح مسلم؟
فأجاب: ذكر العلماء في تأويله وجوهًا، منها: أنه ﷺ أخر الظهر إلى آخر وقتها، وعجل العصر في أول وقتها؛ وهذا جائز عند كثير من أهل العلم، إذا لم يتخذ عادة.
ومنها: أنه محمول على أنه فعل ذلك لأجل مشقة الوحل، وقال بهذا كثير من العلماء أنه يجوز الجمع لأجل المشقة بالوحل وغيره، كالمرض. ومنها: أن ذلك منسوخ بالمواقيت، التي دوام عليها رسول الله ﷺ وأهل العلم، إنما يأخذون بالآخر فالآخر من فعل النبي ﷺ كما قال جابر
: «كان آخر الأمرين من رسول الله ﷺ: ترك الوضوء مما مست النار»، ولهذا قال الترمذي في آخر كتابه: ليس في كتابي حديث أجمعت الأمة على ترك العمل به، إلا حديث ابن عباس في الجمع بالمدينة من غير خوف ولا مطر؛ فإذا أجمع العلماء على ترك العمل بظاهره، فهو دليل على أنه منسوخ، وإن لم يعلم الناسخ بعينه، ولو لم يكن فيه إلا أن آخر فعل النبي ﷺ وخلفائه الراشدين على عدم فعل ذلك بلا عذر من الأعذار المبيحة للجمع.
سئل الشيخ عبد الله أبا بطين: عن إعلام الإمام بنية الجمع؟

فأجاب: وأما قول الإمام إذا نوى الجمع بين الصلاتين … فأرجو أنه لا بأس أن يعلمهم أنه ناو الجمع؛ ولم أسمع في ذلك شيئًا عن الصحابة؛ كما هو حجة من لم يشترط النية للجمع، وهو اختيار الشيخ تقي الدين، لكن الخروج من الخلاف لا بأس به.
وسئل: عن المرأة إذا لم يمكنها الصلاة في الوقت … إلخ؟
فأجاب: وأما المرأة إذا كانت راكبة، فلا يجوز لها تأخير الصلاة عن وقتها، وإذا كانت سائرة في السفر، فإنها تنوي التأخير، وتنْزل مرة واحدة فتصلي الظهر والعصر، وتصحب معها عقالًا تعقل به البعير، وإذا أبصرها الناس تصلي وهي مستورة، لا يضرها ذلك عند الله تعالى.
وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم
أخر الجزء الرابع
ويليه الجزء الخامس، وأوله:
باب صلاة الجمعة.

المجلد الخامس: (القسم الثاني من كتاب العبادات)
باب صلاة الجمعة

بسم الله الرحمن الرحيم
باب صلاة الجمعة
سئل الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب، رحمهما الله تعالى: هل يرخص للرجل يوم الجمعة إذا كان قريبًا من بلد في ترك الجمعة؟
فأجاب: لا رخصة له إلا في أكثر من فرسخ، والفرسخ ثلاثة أميال، والميل ستة آلاف ذراع؛ فجميع ذلك ثمانية عشر ألف ذراع.
وسئل: عمن يجب عليه السعي إلى الجمعة … إلخ؟
فأجاب: يجب السعي على البعيد إذا كان يسمع النداء، إذا أذن المؤذن الصيت مع هدوء الأصوات وتساوي الأرض؛ ومنهم من يحده بفرسخ عن طرف المصر. وأجاب بعضهم: أما من تجب عليه الجمعة من جهة القرب والبعد، فقالوا: تجب على من بينه وبينها فرسخ، في حق غير أهل مصر، واليوم عندهم ثمانية فراسخ، وأما بلادكم «تربة» فهي قرية. قال أحمد: أما أهل المصر فلا بد لهم من شهودها، سمعوا النداء أو لم يسمعوا، وهو قول مالك.

وعن عبد الله بن عمر وغيره: الجمعة على من آواه الليل إلى أهله، وأما من كان في زراعة بعيدة مثلًا فلا يبين لي عليه جمعة؛ وهذا الذي نفهم، والعمل عليه عندنا الآن.
سئل الشيخ عبد الرحمن بن حسن،
: عن وقت صلاة الجمعة … إلخ؟
فأجاب: أما صلاة الجمعة قبل الزوال فهو وقت لها عند الإمام أحمد، وخالفه بعض الأئمة، وقال: وقتها بعد الزوال؛ فتأخيرها إلى الزوال أفضل، خروجًا من خلاف العلماء، لكون هذا القول مجمعًا عليه.
سئل الشيخ عبد الله بن محمد: عن المسافر إذا أدركته الجمعة؟
فأجاب: المسافر إذا قدم ولم ينو إقامة تمنع القصر والفطر في رمضان، فهذا لا جمعة عليه بحال، فإن صلى الجمعة مع أهل البلد أجزأته، والأفضل في حقه حضورها إذا لم يمنع مانع. فإن كان المسافر قد نوى إقامة مدة تمنع القصر والفطر فهذا تلزمه بغيره، فإذا كان في بلد تقام فيها الجمعة وجب عليه حضورها. وأما إمامته في الجمعة، فالمذهب أنه لا يجوز أن يؤم فيها بحال، ولا يكمل به العدد المعتبر، لأن من شروط

الجمعة الاستيطان، وهذا ليس بمستوطن. وذهب مالك وأبو حنيفة والشافعي، إلى أن له أن يؤم فيها؛ وهذه المسألة من مسائل الخلاف، ولا أعلم فيها دليلًا من الجانبين، فإذا كانت من المسائل إلاجتهادية فلا إنكار في مسائل إلاجتهاد، ولا يجوز الإنكار على الفاعل، خصوصًا إذا كان علم الخلاف بين العلماء في الجواز وعدمه، وعمل على قول المجيزين، ولا يجوز نسبته إلى الجهل والحالة هذه.
وأما قولك: أيما أفضل، إجابة الإنسان لمثل هذه المسألة ونحوها وأيما امتناعه؟ فالأفضل في حقه العمل بالاحوط، ولا يؤم في الجمعة وهو مسافر إلا إن كان قد بان له واتضح عنده الجواز، وأن القول بالمنع لا وجه له، فتلك حالة أخرى. وأما إذا ترجح عنده الجواز وعمل بقول الجمهور، فلا يجوز الإنكار عليه إذا رضي أهل البلد بإمامته، لغيبة الإمام أو قدمه بنفسه.
وأجاب الشيخ عبد الله بن عبد العزيز العنقري: والمرأة التي تحضر الخطبة يوم الجمعة، وتصلي مع الإمام، تجزئها صلاتها.

سئل الشيخ سليمان بن سحمان: عن أمر الغزو بإقامة الجمعة … إلخ؟
فأجاب: اعلم أنه لم يكن مع الآمر دليل يجب المصير إليه، لأن الجمعة لا تلزم إلا من أراد الاستيطان بالبلد، بخلاف المسافر الذي تلزمه بغيره إذا أجمع على الإقامة. والغزو حين قدومهم «أبها»، إذا لم يكن فيها أحد من أهلها فلا تلزمهم.
قال شيخ الإسلام: فإن كل قوم كانوا مستوطنين ببناء متقارب، لا يظعنون عنه شتاء ولا صيفًا، أقاموا فيه الجمعة إذا كان مبنيًا بما جرت به عادة الناس، من مدر وخشب، أو قصب أو جريد أو سعف أو غير ذلك، فإن أجزاء البناء ومادته لا تأثير لها في ذلك؛ إنما الأصل أن يكونوا مستوطنين ليسوا كأهل الخيام والحلل الذين ينتجعون في الغالب مواقع القطر، وينتقلون في البقاع، وينقلون بيوتهم معهم إذا انتقلوا؛ وهذا مذهب جمهور العلماء - إلى أن قال – ولهذا، العلماء إنما فرقوا بين الأعراب أهل العمود، وبين المقيمين،

بأن أولئك ينتقلون ولا يستوطنون بقعة، بخلاف المستوطنين- إلى أن قال- قال الإمام أحمد: ليس على البادية جمعة لأنهم ينتقلون؛ فعلل سقوطها بالانتقال، فكل من كان مستوطنًا لا ينتقل باختياره، فهذا من أهل القرى. والفرق بين هؤلاء، وبين أهل الخيام، من وجهين:
أحدهما: أن أولئك في العادة الغالبة لا يستوطنون مكانًا بعينه، وإن استوطن فريق منهم مكانًا فهو في مظنة إلانتقال عنه، بخلاف هؤلاء المستوطنين، الذين يحرثون ويزرعون، ولا ينتقلون إلا كما ينتقل أهل أبنية المدر، إما لحاجة تعرض، أو ليد غالبة تنقلهم كما تفعله الملوك مع الفلاحين.
الثاني: أن بيوت أهل الخيام ينقلونها معهم إذا انتقلوا، فصارت من المنقول لا من العقار. انتهى.
فإذا عرفت ذلك، فالغزو إنما هم أهل خيام، لا من أهل البلاد المستوطنين بها الذين لا ينقلون عنها؛ فلا تلزمهم الجمعة، لما تقدم من كلام شيخ الإسلام، وبه الكفاية. وقال في الإقناع وشرحه: قال ابن تميم: وكذا لو دخل قوم بلدًا لا سكن به بنية الإقامة سنة، فلا جمعة عليهم.

سئل الشيخ سليمان بن الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد، رحمهم الله تعالى: هل ثبت في العدد المعتبر للجمعة نص، أم لم يصح في ذلك شيء … إلخ؟
فأجاب: اعلم: أن الجمعة واجبة بالكتاب والسنة والإجماع:
أما الكتاب: فقوله تعالى: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الجُمُعَةِ فاسَعَوْا إلى ذِكْرِ اللَّهِ﴾ [سورة الجمعة آية: ٩]. ووجه الدلالة من الآية: أنه تعالى أمر بالسعي، ومقتضى الأمر الوجوب، ولا يجب السعي إلا إلى واجب؛ قاله الشيخ موفق الدين بن قدامة.
وأما السنة: فالأحاديث طافحة بذلك: منها ما روى مسلم في صحيحه عن ابن مسعود
أن النبي ﷺ قال لقوم يتخلفون عن الجمعة: «لقد هممت أن آمر رجلًا يصلي بالناس، ثم أحرق على رجال يتخلفون عن الجمعة بيوتهم» ١. وعن أبي هريرة وابن


١ مسلم: المساجد ومواضع الصلاة (٦٥٢)، وأحمد (١/‏٣٩٤، ١/‏٤٠٢، ١/‏٤٢٢، ١/‏٤٤٩، ١/‏٤٦١).

عمر، أنهما سمعا رسول الله ﷺ يقول: «لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات، أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين» ١، رواه مسلم وابن ماجة. وعن أبي الجعد الضمري - وكانت له صحبة - عن النبي ﷺ: «من ترك ثلاث جمع تهاونًا بها، طبع الله على قلبه» ٢، رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة، وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما، والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم. وفي رواية لابن خزيمة وابن حبان: «من ترك الجمعة ثلاثًا من غير عذر فهو منافق» ٣، إلى غير ذلك من الأحاديث.
وأما الإجماع: فأجمع المسلمون على وجوب الجمعة في الجملة، فثبت بعموم الآية والأحاديث والإجماع، وجوب الجمعة على كل أحد؛ فمن أراد إخراج أحد عن وجوبها عليه من هذه العمومات، فعليه إقامة الدليل، وإلا فلا سمع لقوله ولا طاعة. فمما خرج من العموم: المرأة، حكى ابن المنذر الإجماع أنها لا تجب عليها، والعبد، والصبي، والمريض، ومن في معناه ممن له عذر عن حضور الجمعة.
والأصل في ذلك: ما رواه أبو داود، حيث قال: حدثنا عباس بن عبد العظيم حدثني إسحاق بن منصور حدثنا هريم عن محمد بن إبراهيم بن محمد بن المنتشر عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب عن


١ مسلم: الجمعة (٨٦٥)، والنسائي: الجمعة (١٣٧٠)، وابن ماجة: المساجد والجماعات (٧٩٤) وإقامة الصلاة والسنة فيها (١١٢٧)، وأحمد (١/‏٢٣٩، ١/‏٢٥٤، ١/‏٣٣٥، ٢/‏٨٤)، والدارمي: الصلاة (١٥٧٠).
٢ الترمذي: الجمعة (٥٠٠)، والنسائي: الجمعة (١٣٦٩)، وأبو داود: الصلاة (١٠٥٢)، وابن ماجة: إقامة الصلاة والسنة فيها (١١٢٥)، وأحمد (٣/‏٤٢٤)، والدارمي: الصلاة (١٥٧١).
٣ ابن ماجة: إقامة الصلاة والسنة فيها (١١٢٦)، وأحمد (٣/‏٣٣٢).

النبي ﷺ قال: «الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة، إلا أربعة: عبد مملوك، أو امرأة، أو صبي، أو مريض» ١، وأخرجه الدارقطني عن علي بن محمد بن عقبة الشيباني عن إبراهيم بن إسحاق بن أبي العنبس عن إسحاق بن منصور، وأعله ابن حزم بهريم وقال: إنه مجهول؛ وما أبعده ودعواه عن الصواب! فكيف يكون مجهولًا من روى عن الأعمش وإسماعيل بن أبي خالد وسعيد بن أبي عروبة وطائفة؟ وروى عنه إسحاق بن منصور والسلولي وأحمد بن يونس والأسود بن عامر وأبو نعيم وغيرهم من الثقات، ووثقه يحيى بن معي، وأبو حاتم ابن حبان وغيرهما.
وقال عثمان ابن أبي شيبة: هو صدوق ثبت، وأخرج له البخاري ومسلم في صحيحيهما، وبقية أهل السنن، فكيف يكون مجهولا؟ ولكن هذه عادة ابن حزم: إذا لم يعرف الرجل زعم أنه مجهول، وقد يكون معروفًا مشهورًا ثقة عند غيره، وله من ذلك أشياء كثيرة. وأخرجه الحاكم عن أبي بكر بن إسحاق عن عبيد بن محمد عن عباس بن عبد العظيم، بإسناد أبي داود: عن طارق عن أبي موسى الأشعري، وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين، قال: وطارق بن شهاب ممن يعد في الصحابة؛ قال أبو داود: وطارق بن شهاب قد رأى النبي ﷺ ولم يسمع منه شيئًا، قال الحافظ بن


١ أبو داود: الصلاة (١٠٦٧).

حجر: رأى النبي ﷺ وهو رجل، وقال أيضًا: إذا ثبت أنه لقي النبي ﷺ فهو صحابي على الراجح، وإذا ثبت أنه لم يسمع منه، فروايته عنه مرسل صحابي، وهو مقبول على الراجح. قلت: لم يثبت فيما علمناه أنه لم يسمع من النبي ﷺ شيئًا، بل إذا ثبت أنه رآه وهو رجل، فالظاهر أنه قد سمع منه، إذ يبعد أن لا يسمع منه ولو كلمة مع رؤيته له؛ وقد أخرج له النسائي عدة أحاديث، وذلك مصير منه إلى إثبات صحبته.
ومما خرج من العمومات أيضًا: المسافر في قول أكثر أهل العلم، لما روى البيهقي بإسناده عن تميم الداري عن النبي ﷺ قال: «الجمعة واجبة إلا على صبي أو مملوك أو مسافر» ١. وأخرج الدارقطني من طريق ابن لهيعة وهو ضعيف، عن معاذ بن محمد الأنصاري وهو مجهول، عن أبي الزبير عن جابر أن رسول الله ﷺ قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فعليه الجمعة يوم الجمعة، إلا على مريض أو امرأة أو مسافر أو صبي أو مملوك» الحديث. وأخرج البيهقي عن ابن عمر: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «الجمعة واجبة، إلا على ما ملكت أيمانكم وذي علة» ٢، وفي إسناده نظر. وأخرج الدارقطني من طريق عبد الله بن نافع عن أبيه عن ابن عمر مرفوعًا: "لا


١ سنن الترمذي: كتاب الجمعة (٥٠١).
٢ صحيح مسلم: كتاب الرضاع (١٤٥٦)، وسنن الترمذي: كتاب النكاح (١١٣٢) وكتاب تفسير القرآن (٣٠١٦، ٣٠١٧)، وسنن النسائي: كتاب النكاح (٣٣٣٣)، وسنن أبي داود: كتاب النكاح (٢١٥٥) وكتاب الحدود (٤٤٧٣)، ومسند أحمد (١/‏٩٥، ١/‏١٣٥، ١/‏١٤٥، ٣/‏٧٢، ٣/‏٨٤).

جرء 6. الدرر

أن ينكر على من كرهه ونهى عنه. والآية الكريمة، وإن كانت نصًا في دعوى الرجل إلى من تبناه غير أبيه، فهي عامة في دعائه لأمه، لأن قوله: ﴿ادْعُوهُمْ لآبائِهِمْ﴾ [سورة الأحزاب آية: ٥] نص في أنه لا يدعى لغيره، ولا شك في دخول الأم في الغير؛ وعلى هذا فالنص عام، ولو قيل بخصوصه أخذًا من خصوص السبب، فلا مانع من إلحاق النظير. والجمهور يرون في هذه المسألة أن عموم اللفظ مقدم في الاعتبار على خصوص السبب؛ والأول قال به بعض الأصوليين. وجماهير أهل العلم والتأويل قد رجحوا الثاني؛ وقوله: ﴿ادْعُوهُمْ لآبائِهِمْ﴾ عام في ترك دعائهم لغيرهم، وإن كان المدعو إليه أُمًّا؛ فتفطن.
[تلقيب الإنسان]
سئل الشيخ سعيد بن حجي: عن لقب الإنسان … إلخ؟
فأجاب: قال النووي: باب النهي عن الألقاب التي يكرهها صاحبها: قال تعالى: ﴿ولا تَنابَزُوا بِالألْقابِ﴾ [سورة الحجرات آية: ١١]، واتفق العلماء على تحريم تلقيب الإنسان بما يكرهه، سواء كان صفة له، كالأعمى والأعمش، أو صفة لأبيه، أو غير ذلك مما يكرهه، واتفقوا على جواز ذلك على سبيل التعريف، لمن لا يعرف إلا بذلك. ثم قال: باب استحباب اللقب الذي يحبه صاحبه: فمن ذلك علي
، " أن رسول الله ﷺ وجده نائمًا في المسجد،

وعليه التراب، فقال: قم أبا تراب، قم أبا تراب «١، فلزمه هذا اللقب الحسن الجميل، وكان أحب أسمائه إليه. انتهى. فقد عرفت الفرق بين اللقب الذي يحبه صاحبه، واللقب الذي يكرهه صاحبه، فإنه ينهى عنه.
وقال الشيخ تقي الدين: وأما الألقاب، فكانت عادة السلف الأسماء والكنى، فإذا أكرموه كنوه بأبي فلان، وتارة يكنى الرجل بولده، وتارة بغير ولده، كما يكنون من لا ولد له إما بإضافة اسمه، أو أبيه، أو أبي سميه، أو إلى أمر له به تعلق، كما كنى النبي ﷺ عائشة باسم ابن اختها عبد الله، وكما يكنون داود أبا سليمان، لموافقته اسم داود الذي اسم ولده سليمان، وكذلك كني إبراهيم أبا إسحاق، وكما كنى النبي ﷺ أبا هريرة باسم هرة كانت تكون معه؛ ولا ريب أن الذي يصلح من الكنى، ما كان السلف يعتادونه. انتهى. فقد عرفت أن هذه الألقاب التي يكرهها صاحبها، ليست من عادة السلف، وهم القدوة، والخير في اتباعهم.
[نداء الشخص والديه أو قرابته بأسمائهم]
وسئل: هل نداء الشخص والديه أو قرابته بأسمائهم، من العقوق؟
فأجاب: قال في كتاب الأذكار: باب نهي الولد والمتعلم والتلميذ، أن ينادي أباه، أو معلمه، أو شيخه باسمه: روينا في كتاب ابن السني: عن أبي هريرة» أن النبي ﷺ رأى رجلًا معه غلام، فقال: يا غلام من هذا؟


١ البخاري: الصلاة (٤٤١)، ومسلم: فضائل الصحابة (٢٤٠٩).

قال: أبي، قال: لا تمش أمامه، ولا تستسب له، ولا تجلس قبله، ولا تدعه باسمه «؛ قلت: معنى» لا تستسب له " أي: لا تفعل فعلًا تتعرض فيه لأن يسَب أبوك زجرًا وتأديبا على فعلك القبيح. وروينا فيه عن عبد الله بن زحر، قال: كان يقال من العقوق أن تسمي أباك باسمه، وأن تمشي أمامه في الطريق. انتهى.
وأما القرابة غير الوالدين، فلا أعلم في ندائهم بأسمائهم بأسًا.
وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
انتهى الجزء الخامس
ويليه الجزء السادس
وأوله: كتاب البيع

المجلد السادس: (كتاب البيع)
*

كتاب البيع
الإيجاب والقبول
سئل الشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين،
: عمن كتب إلى آخر ببلد بإيجاب في بيع أو قبول؟
فأجاب: هذه المسألة لم أر من ذكرها إلا صاحب الإقناع فيه، حيث قال: وإن كان المشتري غائبا عن المجلس، فكاتبه البائع أو راسله: أني بعتك داري بكذا، أو أني بعت فلانا داري بكذا، فلما بلغه الخبر قبل البيع، صح العقد؛ قال شارحه: لأن التراخي مع غيبة المشتري لا يدل على إعراضه عن القبول، بخلاف ما إذا كان حاضرا، ففرق المصنف في تراخي القبول عن الإيجاب، بينما إذا كان المشتري حاضرا وبينما إذا كان غائبا.
وهذا يوافق رواية أبي طالب في النكاح، قال في رجل مشى إليه قوم، فقالوا: زوج فلانًا فلانة، فقال: زوجته على ألف، ورجعوا إلى الزوج وأخبروه بذلك، فقال: قد قبلت؛ هل يكون هذا نكاحا؟ قال: نعم؟
قال الشيخ تقي الدين: ويجوز أن يقال: إن كان العاقد الآخر حاضرا، اعتبر قبوله في

المجلس، وإن كان غائبا جاز تراخي القبول عن المجلس، كما قلنا في ولاية القضاء، قال شارحه: ولم أر المسألة ههنا في الفروع، ولا في الإنصاف، ولا غيرهما
البيوع المنهي عنها
قال الشيخ عبد الله أبا بطين: وهذه الصور التي نهى عنها رسول الله ﷺ وسلم في البيع. نهى عن ثمن الكلب، ومهر البغي، وحلوان الكاهن، وثمن السنور، وكسب الحجام، وبيع الخمر، وكل ما حرم أكله، وبيع الميتة، وبيع الأصنام وبيع الحر، وبيع عسب الفحل، وبيع فضل الماء، وبيع الكلأ، وبيع الحصاة، وبيع الغرر، وبيع حبل الحبلة، وبيع الملامسة، وبيع المنابذة، وبيع المزابنة، والمحاقلة، والمخابرة، والمعاومة، والثنيا، وبيع الثمرة قبل الصلاح، وبيع الطعام قبل قبضه، والبيع على بيع أخيه، والنجش، والتصرية، وبيع حاضر لباد، وتلقى الركبان، والغش، والكذب والاحتكار، وأكل الربا وتوكيله، وبيع الذهب بمثله متفاضلا. وبيع الفضة بمثلها متفاضلة، والبر بالبر متفاضلا والذهب بالذهب نسأ، والفضة بالفضة نسأ، والتمر بالتمر نسأ، والشعير بالشعير نسأ، والبر بالبر نسأ، والملح بالملح نسأ، والذهب بالفضة نسأ، والتمر بالبر نسأ، والتمر بالشعير نسأ، والتمر بالملح نسأ، والبر بالشعير نسأ، والبر بالملح نسأ، والشعير بالملح نسأ، واشتراط ليس في كتاب الله، وكل ما تقدم ذكر في الصحيحين، أو أحدهما.

قوله: المزابنة، وهي: أن يبيع ثمر حائطه إن كان نخلا بتمرٍ كيلا، وإن كان كرما أن يبيعه بزبيب كيلا، وإن كان زرعا أن يبيعه بطعام كيلا، نهى عن ذلك كله، ويروى المزابنة: أن يباع ما في رؤوس النخل بتمر كيلا مسمى، إن زاد فلي وإن نقص فعلي، قوله: نهى عن المخابرة والمحاقلة، فالمحاقلة: أن يبيع الرجل الزرع بمائة فرق حنطة، والمزابنة: أن يبيع الثمر في رؤوس النخل بمائة فرق مثلا، والمخابرة: كرى الأرض بالثلث أو الربع، والمعاومة: أن يبيع حمل الشجر المستقبل أعواما.
قوله: المنابذة، وهي: طرح الرجل ثوبه بالبيع إلى الرجل، قبل أن يقلبه أو ينظر إليه، قوله: الملامسة، وهي: لمس الثوب لا ينظر إليه. قوله حبل الحبلة، وكان بيعا يبيعه أهل الجاهلية، كان الرجل يبتاع الجزور إلى أن تنتج الناقة، ثم تنتج التي في بطنها؛ وقيل: إنه كان بيع الشارف؛ وهي الكبيرة المسنة بنتاج الجنين الذي ببطن ناقته، وقوله: بيع الحصاة، وهو أن يقول: أي موضع وقعت عليه هذه الحصاة من هذه الأرض، فهو لي.
وسئل الشيخ: عبد الله أبا بطين عن ثمن الكلب ومهر البغي: الخ؟
فأجاب: ثمن الكلب هو أخذ العوض عنه؛ ومهر البغي هو الجعل الذي تأخذه على زناها، وحلوان الكاهن:

هو ما يأخذه الكاهن في مقابلة إخباره بالمغيبات، وثمن السنور: هو أخذ العوض عنه، وكسب الحجام: هو ما يأخذه أجرة على حجامته، فأما ما يعطاه بغير شرط فرخص فيه بعض العلماء، لأن النبي ﷺ أعطى الذي حجمه، قالوا: ولو كان حراما لم يعطه النبي ﷺ، وحملوا النهي على الاشتراط خاصة، وتحريم بيع الخمر ظاهر، وهو المعاوضة عنه؛ وكذا حكم كل مسكر، وبيع الميتة وما حرم أكله، لما في الحديث المشهور «إن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه» وثمن الحر ظاهر، وهو أخذ العوض عنه، وبيع عسب الفحل: وهو أخذ العوض عن ضرابه، كما يفعله كثير من الناس في أخذ العوض على نزو الحصان على الرمكة.
وسئل أيضا: الشيخ عبد الله أبا بطين، عن بيع الحصاة وبيع الغرر … الخ؟
فأجاب: وأما بيع الحصاة، فهو أن يقول: إرم بهذه الحصاة، فعلى أي ثوب وقعت، أو دابة، فهو لك بكذا، وفسر بأن يقول: أبيعك من هذه الأرض ما تبلغ هذه الحصاة، إذا رميت بها بكذا، وبيع الغرر يدخل تحته صور كثيرة، منها: بيع العبد الآبق، والدابة الشاردة، ومنها بيع الدين لغير من هو في ذمته، إذا كان غير مليء، ويدخل تحته كل مبيع لا يدري مشتريه، أيحصله أم لا، وأما بيع حبل الحبلة، ففيه تفسيران: أحدهما أن أهل الجاهلية كانوا يشترون الجزور ونحوها إلى أن تلد الناقة، ثم يلد ولدها، فيكون النهي لأجل

جهالة الأجل، وقيل: هو أن يبيعه نتاج ما في بطن هذه الناقة، وهو ولدها، لما فيه من الغرر.
وأما بيع الملامسة: فنحو أن يقول: أي ثوب لمسته فهو لي بكذا، فيشتريه من غير نظر إليه ولا تقليب؛ وأما بيع المنابذة: هو أن يقول-: كل ثوب نبذته إلي فهو علي بكذا، والعلة في ذلك جهالة المبيع وقت العقد، ولهذا اشترط العلماء لصحة البيع، معرفة المبيع، ونهيه عن الثنيا إلا أن تعلم، فهو أن يبيعه عددا من الدواب أو الثياب ونحوها، ويستثنى منها غير معين، نحو أن يقول: بعتك هذه الغنم بكذا، ولي منها واحدة أختارها، وفيه صور كثيرة.
وقال
تعالى: وأما بيع المضامين والملاقيح، فقيل في المضامين ما في بطون الإناث، والملاقيح ما في ظهور الفحول، وفسر بالعكس، وبيع الغنيمة قبل القسمة، المراد به: الإنسان يبيع نصيبه من الغنيمة قبل تمييزه وقبضه.
سئل الشيخ: عبد الله بن الشيخ محمد، عن بيع المكره بحق؟
فأجاب: وأما قوله: إلا أن يكره بحق، كما يكرهه الحاكم على بيع ماله لوفاء دينه، فهذا لا بأس بالشراء منه، سواء رضي بذلك أو لم يرض.
سئل الشيخ عبد الرحمن بن حسن، عن سكوت المرأة عن بيع نصيبها من العقار، هل يوجب صحة البيع أم لا؟ 

 الدرر= 7.

الإبل - لقول عمر: «من أخذ الضالة فهو ضال» أي: مخطئ؛ ومن أخذها ضمنها، لأنه أخذ ملك غيره بغير إذنه، ولا أذن الشارع له، فهو كغاصب؛ فإن ردها إلى موضعها لم يبرأ منه، لكن إذا التقطها وكتمها ضمنها بقيمتها مرتين، نص عليه للخبر، انتهى، فتأمل كلامهم يتبين الحق.
سئل الشيخ عبد الله أبا بطين: عمن وجد صقرا … إلخ
فأجاب: وأما الصقر إذا صاده ولم يظهر فيه أثر ملك، ولم يعرف له مالك، جاز الانتفاع به، ومتى ظهر له مالك وجب رده عليه.
سئل الشيخ: عبد الله بن الشيخ محمد: عن تعريف اللقطة … إلخ؟
فأجاب: واللقطة يعرفها سنة، فإن لقي صاحبها وإلا وضعها في ماله.
وأجاب الشيخ عبد الله العنقري: واللقطة يعرف عفاصها ووكاءها، ثم يعرفها حولا، ثم يتملكها بشرط الضمان إن جاء ربها، وإلا فهو مال الله يؤتيه من يشاء.
سئل الشيخ: حسن بن حسين بن الشيخ: عمن كتمها ليبذل له … إلخ؟
فأجاب: لا يحل له أخذ المال المبذول والحال ما ذكر، لوجوب تعريفها عليه، وإيصالها إلى صاحبها فورا متى جاء، بأمر رسول الله ﷺ ويحرم عليه كتمانها، ولو تلفت في

هذه الحال ضمنها بقيمتها مرتين،
قال أبو بكر في التنبيه: لست أعدل عن خبر النبي ﷺ في الضالة المكتومة: غرامتها، ومثلها معها، وهذا حكم رسول الله ﷺ فلا يرد، انتهى.
وصرح الفقهاء: بأن أجرة المنادي عليه، ولكتمانه لها ارتكب محرما، وترك واجبات متعددة، فيجب عليه رد ما أخذه إن لم تطب نفسه ببذله بعد علمه بالحال، وقول مالكها حال الإنشاد: حلال من الله لا تأثير له، وقد صرحوا فيمن رد ضالة، قبل بلوغه بذل مالكها للجعل، أنه يحرم أخذه، وهو من أكل المال بالباطل، مع كونه بعد بذل صاحب الضالة، لكنه لم يسمعه، وهذا في مقابلة عمله، ولم يرتكب فيه عملا محرما، ويمتنع من واجب، فكيف بمن كتم وأثم؟
سئل الشيخ: محمد بن عبد الوهاب عن ضالة الكافر؟
فأجاب: والضالة التي توجد حول البلد، وهي من مال الكافر، فهي لمن وجدها،
وأما لقطة النثار: فإذا لم تعرف بصفة تعرف بها، لم يجب تعريفها.
سئل ابنه الشيخ عبد الله: عمن أخذ ضالة الإبل يريد الحفظ، وهو معروف بالأمانة، ثم تلفت؟
فأجاب: قال في الإنصاف: ويجوز للإمام أو نائبه أخذ ما يمتنع من صغار السباع، وحفظه لربه، ولا يلزمه تعريفه، قاله الأصحاب؛ ولا يكتفي فيها بالصفة، قاله المصنف وغيره، واقتصر عليه في الفروع؛ ولا يجوز لغيرهما أخذ شيء

من ذلك لحفظه لربه، على الصحيح من المذهب، وقال المصنف، ومن تبعه: يجوز أخذها إذا خيف عليها، كما لو كانت في أرض مسبعة، أو قريبا من دار حرب، أو موضع يستحل أهله أموال المسلمين، أو في برية لا ماء فيها ولا مرعى، ولا ضمان على آخذها، لأنه إنقاذ من الهلاك، قال الحارثي قالوا كما قال، وجزم به في تجريد العناية، قلت: ولو قيل بوجوب أخذها والحالة هذه، لكان له وجه، انتهى.
والذي يترجح عندي: أن الرجل إذا عرف بالأمانة، وأنه محسن في حفظها، ولم يتعرض لها بركوب ولا غيره، أنه لا يضمن، كما اختاره هؤلاء الأئمة.
وسئل الشيخ سعد بن حمد بن عتيق: إذا وجد الحيوان قريب الموت، ولم يعلم صاحبه هل يذكيه أم لا؟ وهل يغرم أم لا؟
فأجاب: أما تذكيته فمن المعروف، وأما الغرم فإن بينه، أو كان مأمونا غير متهم فلا غرم عليه، وإن كان متهما أو غير مأمون، ولم يصدقه صاحب الدابة، ولم يعف عنه، لزمه الغرم.
وسئل: إذا وجد ضالة الغنم غير صاحبها، وباعها على آخر هل تكون عنده الخراج بالضمان، كما في مدة الخيار؟
فأجاب: لا فرق. وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
آخر الجزء السادس، ويليه الجزء السابع
وأوله: «كتاب الوقف»

المجلد السابع: (من كتاب الوقف إلى نهاية الإقرار)

 
كتاب الوقف /[كتاب الوقف]

قال الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد، رحمهما الله تعالى: ونرى الوقف صحيحًا.
وسئل: إذا أراد إنسان أن ينفع نفسه من ماله … إلخ؟
فأجاب: إذا أراد إنسان أن يوقف وقفًا من ماله، فإن شاء جعله معينًا في أرض بعينها، أو نخلًا بعينه، وإن شاء جعله شيئًا معلومًا، قادمًا في غلة نخله أو أرضه؛ وما فعل من ذلك فهو حسن إن شاء الله تعالى.
وسئل: هل يلزم الوقف المعلق بالموت، أو شرط فيه الرجوع؟ وهل يجوز ذلك؟
فأجاب: الذي صححه غير واحد من الحنابلة وغيرهم، أنه يصح تعليقه بالموت، ويصير وصية، ويعتبر من الثلث، كسائر الوصايا؛ قال في الشرح الكبير: يصح في قول الخرقي، وهو ظاهر كلام الإمام أحمد. قال في الإنصاف: قال الحارثي: كلام الأصحاب يقتضي أن الوقف المعلق على الموت، أو على شرط الحياة، لا يقع لازمًا قبل وجود المعلق عليه؛ قال الحارثي: المنصوص عن أحمد في المعلق على الموت هو اللزوم. قال الميموني

في كتابه: سألته عن الرجل يقف على أهل بيته، أو على المساكين بعده، فاحتاج إليها، أيبيع على قصة المدبر؟ فابتدأني أبو عبد الله بالكراهة لذلك، فقال: الوقوف إنما كانت من أصحاب النبي ﷺ على أن لا يبيعوا ولا يهبوا. قلت: فمن شبهه وتأول المدبر عليه، والمدبر قد يأتي عليه وقت يكون فيه حرًا، والموقوف إنما هو شيء وقفه بعده، وهو ملك الساعة، قال لي: إذا كان يتأول. قال الميموني: وإنما ناظرته بهذا، لأنه قال: المدبر ليس لأحد فيه شيء، وهو ملك الساعة، وهذا شيء وقفه على قوم مساكين، فكيف يحدث به شيئا؟ فقلت: هكذا الوقوف، ليس لأحد فيها شيء، الساعة هو ملك، وإنما استحق بعد الوفاة، كما أن المدبر الساعة ليس بحر، ثم يأتي عليه وقت يكون فيه حرًا.
سئل الشيخ محمد بن إبراهيم: عما إذا لم يجد من كان الوقف تحت يده حججًا للوقف، ولا شهودًا، ولا شيئًا من البينات غير مجرد وضع اليد، فما العمل فيه؟ هل إذا أقر بوقفيته، ولم يعين الواقف، يقبل منه؟
فأجاب: يثبت الوقف بالاستفاضة، ولا حاجة إلى معرفة اسم الواقف. وإن لم يستفض فيكفي إقرار من هو تحت يده بذلك، ما لم ينازع في ذلك بحجة شرعية.
سئل الشيخ عبد الله أبا بطين: عن موضع النخلة

الوقف إذا سقطت؟
فأجاب: إذا وقف نخلة معينة، فالذي نرى أن موضعها لا يكون وقفًا بذلك، فإذا سقطت النخلة زال حق أهل الوقف؛ وقد صرح بذلك الفقهاء، فيما إذا أقر بنخلة أو باعه إياها، تناول ذلك الجذع فقط، فإذا سقطت لم يكن له إعادتها، كما نص عليه الإمام أحمد، فيما إذا أقر له بنخلة.
وأجاب الشيخ صالح بن محمد الشثرى: إذا وقف نخلة فبادت، فالعرف ومقاصد الناس معتبر؛ والعرف في وقتنا: أن المُوقف لا يقصد إلا جذع النخلة، وأنها لا تعاد إذا بادت، مع أن القياس يقتضي ذلك في أن الفرع لا يتبعه الأصل، وأن الأصل يتبعه الفرع، إلا أن يوقف بستانًا ونحوه، فالقرينة تقتضي دخول الأصل والفرع معًا في الوقفية.
سئل الشيخ عبد العزيز بن حسن: عن جعل بعض الواقفين وقفه قدرًا معلومًا في ملكه أو نخله، فإذا باد النخل … إلخ؟
فأجاب: العمل: على جواز ذلك، وجوز شيخ الإسلام وقف المنفعة المفردة، كخدمة عبد موصى بها مدة، ثم يقفها الموصى له فيها. انتهى. فيؤخذ ذلك القدر من غلة ما جعل فيها حيث حصل، فاضلًا عن حصة العامل

على النخل، إن كان المجعول فيه نخلًا ولو لم يبق للمالك سواه، ويؤخذ كاملًا من غلة الأرض، إن كان المجعول فيها أرضًا، حيث فضل عن نصيب رب الزرع، ولو لم يبق لرب الأرض غيره، وإن كان هو الزارع أخذ منه على كل تقدير.
وسمعت شيخنا عبد الرحمن بن حسن بن الشيخ محمد،
، أفتى مرة بذلك، أعني: أخذ تمر مقدر في ثمر نخل، ولا بين الوارث والمشتري فرق في ذلك، سواء كان المشتري عالمًا به أو جاهلًا، إلا أن الجاهل يثبت له الخيار إذا علم.
فلو قال قائل: إذا لم يبق من ريع النخل سوى القدر الموقوف، جعلتم الموروث عن الواقف للموقوف عليه، فأين التركة التي يخرج من ثلثها؟
قلنا العبرة بخروج الموقوف، أو الموصى به من الثلث حين الموت، ليس قبله ولا بعده. وإذا باد النخل فالذي يظهر لي: أن القدر الموقوف ينقطع بفناء النخل، وتبقى الأرض طلقًا؛ هذا إن كانت الصيغة: وقفت في نخلي. أما إن قال: في ملكي، فالظاهر أن ذلك القدر يستمر في الأرض، ما دامت حيث انتفع بها، لأن المتعارف من ألفاظ أهل هذه الأعصار، أن الملك اسم للأرض، سواء اتصل بها غراس أم لا، لا سيما في بلدتكم وما قاربها من البلاد.

وكذلك الحكم لو قال: في هذه الدمنة، بل هذا أولى، ولو كان القدر الموقوف في الملك أو الدمنة تمرًا؛ إذ لا تفيد قرينة كونه تمرًا خصوصيته بالنخل، فينقطع بانقطاعه، بدليل قول بعض الواقفين: جعلت في ملكي أو أرضي أو داري أضحية، فيعلم بالاضطرار أن قصده: يشترى من غلة الأرض، أو بثمن غلتها أو بأجرتها، أو أجرة الدار أضحية.
سئل الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد: عن الوقف على المسجد؟
فأجاب: الوقف على المسجد جائز، بل مستحب، لأنه من أعمال البر والقربات؛ وأما وقف الشرك الذي على طاعة، فيجب الوفاء به في الإسلام.
وسئل: عن وقف لم يذكر له مصرف، أو ذكر … إلخ؟
فأجاب: إذا وقف وقفًا وذكر مصرفه ثم انقطع، أو لم يذكر مصرفًا، فقد اختلف العلماء في هذا الوقف: هل يصح أو لا؟ وقدم في المغني أنه يصح، وذكره قول مالك وأبي يوسف، وأحد قولي الشافعي: أنه إذا وقف وقفًا على قوم يجوز انقراضهم بحكم العادة، ولم يجعل آخره لجهة غير منقطعة كالمساكين ونحوهم، قال في المغني: ويصرف عند انقراض الموقوف عليهم إلى أقارب الواقف،

وبه قال الشافعي. وعن أحمد أنه يصرف إلى المساكين؛ واختاره القاضي والشريف. وعن أحمد رواية ثالثة: أنه يجعل في بيت مال المسلمين. وأما إذا كان وقف وقفًا، ولم يذكر له مصرفًا بالكلية، فقال في المغني: إذا قال: وقفت هذا، وسكت ولم يذكر سبيله، فلا نص فيه؛ وابن حامد يصحح الوقف، قال القاضي: هو قياس قول أحمد، وإذا صح صُرف إلى مصارف الوقف المنقطع الذي ذكرناه في أول المسألة، وأن فيه ثلاث روايات عن أحمد؛ فتأمله يتضح لك الأمر إن شاء الله.
وسئل الشيخ محمد بن إبراهيم: عن دعاوى في أوقاف لم يكن لها وثائق، منها: أناس ببعض القرى التي نهبت في آخر القرن الثالث عشر؛ ومشهور عند أهل الأحساء: أن أوراقهم أتلفت، وإنما بقي عندهم الولاية في الأملاك والأوقاف، فإذا حصل بينهم نزاع في الأوقاف، وليس هناك نص واقف، هل يكون حكمها حكم الوقف المنقطع الآخر، أم لا؟ وهل يجب يمين على المدعى عليه، والأمر مشتهر أن الأوراق ضلت منه؟
فأجاب: قال في الإنصاف، عند قول المقنع: وهل يدخل فيه ولد البنت - فذكر كلامًا طويلًا - ثم قال: فوائد -

إلى أن قال - الرابعة: قال في التلخيص: إذا جهل شرط الواقف، وتعذر العثور عليه، قسم على أربابه بالسوية؛ فإن لم يعرفوا، جعل كوقف مطلق لم يذكر مصرفه. انتهى. وقال في الكافي: لو اختلف أرباب الوقف فيه، رجع إلى الواقف؛ فإن لم يكن، تساووا فيه، لأن الشركة ثبتت ولم يثبت التفضيل، فوجبت التسوية، كما لو شرك بينهم بلفظه. انتهى.
وقال الحارثي: إن تعذر الوقوف على شرط الواقف، وأمكن التأنس بتصرف من تقدم ممن يوثق به، رجع إليه، لأنه أرجح مما عداه؛ والظاهر صحة تصرفه، ووقوعه على الوفق. انتهى.
فقد عرفت منه: أنه إذا كان الوقف في يد ثقة، يصرفه مصرفًا معينًا في مثل هذه المسألة، أنه يعمل بذلك، وأنه إذا لم يكن شيء من ذلك، يصير حكمه حكم الوقف المطلق، يكون لأقرب ورثة الواقف نسبًا وقفًا عليهم، كالوقف المنقطع؛ هذا إذا جهل أصل المصرف.
وأما إن علم أصله، لكن جهل شرط الواقف، أو التقديم، أو التأخير، أو التفضيل، ونحو ذلك، فهذا يستأنس فيه بصرف الثقة الذي هو بيده، وبعمله كما تقدم؛ فإن لم يكن فيقسم بين أهل الجهة بالسوية، كما تقدم، والله أعلم. ==ج8==

درر ج8. .الدرر السنية

باب الإقرار
سئل الشيخ علي بن حسين بن الشيخ: عمن قال: صدقوا فلانًا فيما ادعى به؟
فأجاب: إذا كان المقَرُّ له غير وارث، فظاهر كلام أهل المذهب: أنه يُصَدَّق فيما ادعى به، إذا كان يمكن يتصور منه التزامه، بخلاف ما لو ادعى بما لا يتصور، كدعواه عليه من عشرين سنة، وعمره عشرون سنة أو أقل، فهذا لا يصح إقراره بذلك؛ قلت: ومثل ذلك لو كان هذا المصدق فقيرًا، كالذي يعرفه أهل بلده بالفقر، فيدعي أن له عند هذا المقِرّ ما لا يعرف أنه قد ملكه، كمن رأس ماله الذي يعامل فيه عشرون درهمًا، أو قريبًا، فيدعي على هذا المقر - لما سمع قوله: صدقوه -: لي عنده مائة دينار أو مئتان، فالظاهر أنه لا يُصَدَّق، وما أمكن صِدْقُه فيه صُدِّق. انتهى.
وأجاب الشيخ حمد بن ناصر بن معمر: إذا مات الرجل وقالك صدقوا فلانًا بما ادعى علي، يعني صاحب الدين، ثم مات، هل يصدق المدعي؟ فالأمر كذلك يصدق بدعواه، عملًا بقول الميت.

سئل الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد: عمن أقر في صحته بدين لوارث؟
فأجاب: إذا أقر في صحته لوارث بدين في حال الصحة، وهو يتهم بالمحاباة، فالظاهر أنه يقبل إقراره، ولا يعمل بالتهمة.
وسئل: عن امرأة في صحتها قالت: إن عندها لبعض ورثتها شيئًا؟
فأجاب: إن ماتت، فهو المصدق فيما ادعى به، فإن ادعى عليها بدعوى كثيرة، فالظاهر أن هذا يدخل في الإقرار للوارث، ولا يصح خصوصًا في مثل هذا الزمان مع التهمة.
سئل الشيخ سعيد بن حجي: إذا أقر المريض في المرض المخوف لوارث أو غيره.
فأجاب: قال في الشرح: ويصح إقرار المريض في المرض المخوف بغير المال، وإن أقر بمال لمن لا يرثه صح؛ حكاه ابن المنذر إجماعًا. وإن أقر للوارث لا يقبل إلا ببينة. وقال عطاء والحسن وإسحاق: يقبل. وقال مالك: يصح إلا أن يتهم، إلا أن يقر لزوجته بمهر مثلها فأقل، فيصح في قول الجميع، إلا الشعبي.
سئل الشيخ حسن بن حسين بن الشيخ: إذا قال إنسان لآخر: عندك لي عشرة دراهم، قال: نعم، لكن

قضيتك؟
فأجاب: يكون غير مقر فيقبل قوله بيمينه طبق جوابه، ويخلى سبيله إن لم يقم بينة على الأصح، لأنه رفع ما أثبته بدعوى القضاء متصلًا، فكان القول قوله. وعنه: أن هذا ليس بجواب صحيح، فيطالب برد الجواب. انتهى من شرح المنتهى ملخصًا. وقد عرفت المقدم وهو المعتمد.
سئل الشيخ إبراهيم بن الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن، رحمهم الله: عن رجل أقر لآخر بدين مات المقر له، ولم يعلم عدده؟
فأجاب: القول في ذلك قول المقر بيمينه، لأن اليمين إنما شرعت في جانب أقوى المتداعيين، والمقر له قد قوي جانبه، فقبل قوله في العدد مع يمينه.
آخر ما أردنا جمعه مما وجدناه من الفتاوى الفقهية، فتاوى أهل هذه الدعوة، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
آخر الجزء السابع، ويليه الجزء الثامن،
وأوله: كتاب الجهاد

المجلد الثامن: (القسم الأول من: كتاب الجهاد)
كتاب الجهاد (حكمه، وفضله، والحث عليه)
*

كتاب الجهاد: الجهاد حكمه، وفضله، والحث عليه
قال شيخ الإسلام: الشيخ محمد بن عبد الوهاب، أجزل الله له الأجر والثواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد بن عبد الوهاب، إلى الأخ عبد الله بن عبد الرحمن، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وبعد، ذكر لي ابن زيدان، أنك يا عبد الله غضبت على أحمد لما تكلم في بعض المنافقين، ولا يخفاك أن بعض الأمور كما قال تعالى: ﴿وتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ﴾ [سورة النور آية:١٥]، وذلك أني: لا أعرف شيئًا يتقرب به إلى الله أعظم من لزوم طريقة رسول الله ﷺ في حال الغربة، فإن انضاف إلى ذلك الجهاد عليها للكفار والمنافقين، كان ذلك تمام الإيمان.
فإذا أراد أحد من المؤمنين أن يجاهد، فأتاه بعض إخوانه، فذكر له أن أمرك للدنيا، أخاف أن يكون هذا من جنس الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات؛

فأنتم تأملوا تفسير الآية، ثم نزلوه على هذه الواقعة.
وأيضا، في صحيح مسلم أن أبا سفيان مر على بلال وسلمان وأجناسهما، فقالوا: «ما أخذت سيوف الله من عنق عدو الله مأخذها»، فقال أبو بكر: تقولون هذا لشيخ قريش وسيدها؟ ثم أتى النبي ﷺ فذكر له ذلك، فقال: «يا أبا بكر لئن كنت أغضبتهم، لقد أغضبت ربك» ١.
ومن أفضل الجهاد: جهاد المنافقين في زمن الغربة، فإذا خاف أحد منكم من بعض إخوانه قصدًا سيئًا، فلينصحه برفق وإخلاص الدين لله، وترك الرياء والقصد الفاسد، ولا يفل عزمه عن الجهاد، ولا يتكلم فيه بالظن السيئ وينسبه إلى ما لا يليق، ولا يدخل خاطرك شيء من النصيحة، فلو أدري أنه يدخل خاطرك ما ذكرته، وأنا أجد في نفسي أني أود أن أنصح كلما غلطت، والسلام.
وقال الشيخ إبراهيم وعبد الله وعلي: أبناء الشيخ محمد بن عبد الوهاب، رحمهم الله تعالى: والجهاد بالمال مقدم على الجهاد بالنفس، فمن كان له مال وهو يقدر على الجهاد بنفسه، وجب عليه الجميع، فإن كان ما يقدر بنفسه وجب عليه بالمال، فإن كان لا يقدر بالمال ولا بالنفس، فالحرج مرفوع عنه، قال الله تعالى: {لَيْسَ عَلى الضُّعَفاءِ ولا عَلى المَرْضى ولا عَلى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إذا نَصَحُوا لِلَّهِ ورَسُولِهِ ما عَلى المُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ واللَّهُ غَفُورٌ


١ مسلم: فضائل الصحابة (٢٥٠٤)، وأحمد (٥/‏٦٤).

رَحِيمٌ} [سورة التوبة آية: ٩١].
والإمام ينهى الأمراء عن تحميل الناس ما لا يستطيعون ويعصونه في ذلك، وتحميل الفقير ما لم يحمله الله ذنب، ومعصية الإمام إذا نهى عن ذلك ذنب آخر.
وقالوا أيضًا: وقد توعد الله من تثاقل عن الجهاد، ورضي بالإخلاد إلى الأرض، بالوعيد الشديد، قال تعالى: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثّاقَلْتُمْ إلى الأرْضِ أرَضِيتُمْ بِالحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الآخِرَةِ فَما مَتاعُ الحَياةِ الدُّنْيا فِي الآخِرَةِ إلّا قَلِيلٌ إلاّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذابًا ألِيمًا﴾ الآية [سورة التوبة آية: ٣٨-٣٩]، وقال تعالى: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ ولِلرَّسُولِ إذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ﴾ [سورة الأنفال آية: ٢٤] لما يصلحكم؛ وقد فرضه الله على الناس فرض الصلاة والزكاة، قال الله تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ القِتالُ وهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ﴾ إلى قوله: ﴿وأنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ [سورة البقرة آية: ٢١٦].
فإذا قام المسلمون بما أمرهم الله به من جهاد عدوهم، بحسب استطاعتهم، فليتوكلوا على الله، ولا ينظروا إلى قوتهم وأسبابهم، ولا يركنوا إليها، فإن ذلك من الشرك الخفي، ومن أسباب إدالة العدو على المسلمين ووهنهم عن لقاء العدو، لأن الله تبارك وتعالى أمر بفعل السبب، وأن لا يتوكل إلا على الله وحده، قال تعالى: {وعَلى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إنْ

كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [سورة المائدة آية: ٢٣].
وقال تعالى: ﴿إنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ﴾ الآية [سورة آل عمران آية: ١٦٠]، وقال تعالى لمحمد ﷺ: ﴿إذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فاسْتَجابَ لَكُمْ أنِّي مُمِدُّكُمْ بِألْفٍ مِنَ المَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ وما جَعَلَهُ اللَّهُ إلّا بُشْرى﴾ الآية [سورة الأنفال آية: ٩-١٠].
فإذا فعل المسلمون ما أمرهم الله به، وتوكلوا على الله، وحققوا توكله، نصرهم الله وأمدهم بالملائكة، كما هي عادته مع عباده المؤمنين في كل زمان ومكان، قال الله تبارك وتعالى: ﴿ولَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنا المُرْسَلِينَ إنَّهُمْ لَهُمُ المَنصُورُونَ وإنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الغالِبُونَ﴾ [سورة الصفات آية: ١٧١-١٧٣]، وقال تعالى: ﴿ولَوْ قاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الأدْبارَ ثُمَّ لا يَجِدُونَ ولِيًّا ولا نَصِيرًا سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ ولَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا﴾ [سورة الفتح آية: ٢٢-٢٣].
وأجاب بعضهم، رحمهم الله: وأما الجهاد، فهو واجب على القادر عليه بنفسه وماله، كما أمر الله به
﷿ في كتابه بقوله: ﴿انْفِرُوا خِفافًا وثِقالًا وجاهِدُوا بِأمْوالِكُمْ وأنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [سورة التوبة آية:٤١]، وأما من لا يقدر على الجهاد بنفسه ولا بماله، فلا يجوز إلزامه بذلك، كما عذره الله تعالى بقوله: {لَيْسَ عَلى الأعْمى حَرَجٌ ولا عَلى الأعْرَجِ حَرَجٌ ولا عَلى

المَرِيضِ حَرَجٌ} [سورة النور آية: ٦١].
وقال الشيخ عبد الرحمن بن حسن
تعالى:
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبد الرحمن بن حسن، إلى كافة الإخوان، سلمهم الله من شرور الدنيا والآخرة، ووفقنا وإياهم للتجارة الفاخرة؛ سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وبعد، فاعلموا، وفقنا الله وإياكم لشكر ما أنعم به عليكم من نعمة الإسلام، والاجتماع على ذلك، وجهاد من خرج عنه من أهل الجهل والفساد، الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون، وقد أوجب الله تعالى جهادهم دفعًا لعنادهم وخروجهم عن جماعة المسلمين، والسمع والطاعة لمن ولاه الله أمرهم، كما قال تعالى: ﴿ولَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأرْضُ ولَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلى العالَمِينَ﴾ [سورة البقرة آية: ٢٥١].
ومن فضله عليكم: اجتماعكم، وجهادكم لأهل الفساد، ولولا الجهاد لأفسدوا عليكم دينكم ودنياكم، وأنتم - ولله الحمد - على ملة الإسلام، تعبدون ربكم وتوحدونه، وتعملون بفرائضه، وتأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر؛ ومن أعظم الشكر: الجهاد الذي أوجبه الله في كتابه العزيز، قال تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ القِتالُ وهُوَ كُرْهٌ

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ج9 كتاب الترغيب والترهيب للمنذري{من5655 الي 5766.}

  ج9 كتاب الترغيب والترهيب من الحديث الشريف عبد العظيم بن عبد القوي المنذري أبو محمد سليمة وفاكهة وخضرة وحبرة ونعمة في محلة عالية بهية...