9 مصاحف

9 مصاحف الكتاب الاسلامي
حسبي الله ونعم الوكيل

حسبي الله ونعم الوكيل

 

Translate

الاثنين، 5 يونيو 2023

ج9وج10وج11وج12. الدرر السنية في الاسئلة النجدية

 

 ج9. الدرر السنية في الاسئلة النجدية

سئل الشيخ محمد بن إبراهيم بن محمود: عن رجلين بحثا في الهجرة … إلخ؟
فأجاب: الصواب مع الثاني، وهو الحق المقطوع به الذي ندين الله به، وهو: أن الهجرة واجبة على من لم يقدر على إظهار دينه، وخاف الفتنة؛ وأدلة ذلك ظاهرة من الكتاب والسنة. وقد نص علماء السنة على ذلك وذكروه من أصولهم، وأن الجهاد قائم مع كل إمام بر وفاجر، حتى يقاتل آخر هذه الأمة الدجال، وأن الهجرة باقية لا تنقطع حتى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها.
وأما الجواب عما احتج به الأول، من قوله: لا هجرة بعد الفتح، فالمراد بذلك لا هجرة من مكة، لأنها صارت دار إسلام، ولم يبق فيها من يفتن المسلم عن دينه؛ قال شيخ الإسلام،
تعالى: أراد به: الهجرة المعهودة في زمنه، وهي الهجرة إلى المدينة من مكة، وغيرها من أرض العرب؛ فإن الهجرة مشروعة لما كانت مكة وغيرها دار كفر وحرب، وكان الإيمان بالمدينة، فكانت الهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام واجبة لمن قدر عليها. فلما فتحت مكة، وصارت دار إسلام، ودخلت العرب في الإسلام، صارت هذه الأرض كلها دار إسلام، فقال: «لا هجرة بعد الفتح» ١؛ وعلى هذا يحمل حديث صاحب الخضرمة، لأن بلاد العرب إذ ذاك صارت كلها دار إسلام؛


١ البخاري: الجهاد والسير (٢٧٨٣)، ومسلم: الحج (١٣٥٣)، والترمذي: السير (١٥٩٠)، والنسائي: البيعة (٤١٧٠)، وأبو داود: الجهاد (٢٤٨٠)، وأحمد (١/‏٢٢٦، ١/‏٣١٥، ١/‏٣٥٥)، والدارمي: السير (٢٥١٢).

وكون الأرض دار كفر أو دار إيمان، أو دار فسق، ليست صفة لازمة، بل هي صفة عارضة بحسب حال سكانها، والحكم يدور مع علته.
وأما الحديث الثاني: فالمراد به غير ما فهم هذا في الأصل، وهو: أن التوحيد شرط لجميع الأعمال، الصلاة وغيرها، وهذا الشرط هو الذي تفهمه العرب من لسانها، ولذلك لما قال لهم رسول الله ﷺ: «قولوا: لا إله إلا الله»، قالوا: ﴿أجَعَلَ الآلِهَةَ إلَهًا واحِدًا﴾ [سورة ص آية ٥]، وقال عنهم: ﴿إنَّهُمْ كانُوا إذا قِيلَ لَهُمْ لا إلَهَ إلّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ ويَقُولُونَ أإنّا لَتارِكُو آلِهَتِنا لِشاعِرٍ مَجْنُونٍ﴾ [سورة الصافات آية: ٣٥-٣٦]. وأما مشركو هذا الزمان، فإنهم وإن نطقوا بها، وصلّوا وزكّوا، لا يفهمون منها ما فهمته العرب، من أن معناها: خلع الأنداد، وإفراد الله سبحانه بالعبادة وحده لا شريك له؛ بل يخالفون معناها، فيصرفون التأله لغير الله تعالى، ويعتقدون ذلك قربة إلى الله، فيصرفون خالص حق الله الذي دلت عليه هذه الكلمة لغيره تعالى، بل أكبهم الجهل إلى الشرك في الربوبية، فلا تنفعهم «لا إله إلا الله» مع ذلك وإن قالوها، لأن الشرك محبط للعمل، كما قال تعالى: ﴿لَئِنْ أشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ﴾ [سورة الزمر آية: ٦٥]، وغير ذلك من الآيات الدالة على حبوط عمل المشرك.
ومشركو العرب، إنما كان شركهم في الإلهية، فلا

تنفع «لا إله إلا الله» قائلها، إلا إذا التزم ما دلت عليه من خلع الأنداد، وإفراد الله سبحانه بالعبادة؛ ولذلك لما قالها أهل النفاق واليهود، ولم يلتزموا ما دلت عليه، لم تنفعهم. فإن كان الإنسان مقيمًا بين أظهر من هذا حاله، فهو دائر بين أحوال: إما الموافقة لهم على هذا المعتقد، وموالاتهم عليه، أو مدح معتقدهم وتفضيلهم على أهل التوحيد، فهذا مثلهم كما قال تعالى: ﴿ومَن يَتَوَلَّهُمْ مِنكُمْ فَإنَّهُ مِنهُمْ﴾ الآية [سورة المائدة آية: ٥١]، وقال تعالى في حق المادحين لدينهم: ﴿ألَمْ تَرَ إلى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالجِبْتِ والطّاغُوتِ ويَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ ومَن يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا﴾ [سورة النساء آية: ٥١-٥٢]؛ بل من كان كذلك فهو منهم، وإن كان بين أظهر المسلمين، فهذا غير مظهر لدينه، فتجب عليه الهجرة. وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
آخر الجزء الثامن،
ويليه الجزء التاسع، وأوله:
فصل: في الإمامة والبيعة والسمع والطاعة

المجلد التاسع: (القسم الثاني من: كتاب الجهاد، وأول كتاب حكم المرتد)
تابع كتاب الجهاد
فصل: (في الإمامة، والبيعة، والسمع والطاعة)

بسم الله الرحمن الرحيم
فصل [في الإمامة، والبيعة، والسمع والطاعة]
قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب،
تعالى: الأئمة مجمعون من كل مذهب، على أن من تغلب على بلد أو بلدان له حكم الإمام في جميع الأشياء، ولولا هذا ما استقامت الدنيا، لأن الناس من زمن طويل قبل الإمام أحمد إلى يومنا هذا، ما اجتمعوا على إمام واحد، ولا يعرفون أحدا من العلماء ذكر أن شيئا من الأحكام، لا يصح إلا بالإمام الأعظم.
وقال أيضا: اختلفوا في الجماعة والافتراق، فذهب الصحابة ومن معهم إلى وجوبها، وأن الإسلام لا يتم إلا بها، وذهبت الخوارج ومن معهم إلى الأخرى وإنكار الجماعة، ففصل الكتاب بينهم، بقوله تعالى: ﴿واعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا ولا تَفَرَّقُوا﴾ [سورة آل عمران آية: ١٠٣] الآية.
وقال أيضا: الشيخ محمد بن عبد الوهاب

تعالى: الأصل الثالث: أن من تمام الاجتماع السمع والطاعة لمن تأمر علينا، ولو كان عبدا حبشيا، فبين - أي الكتاب - هذا بيانا شائعا ذائعا، بوجوه من أنواع البيان شرعا وقدرا، ثم صار هذا الأصل لا يعرف عند أكثر من يدعي العلم، فكيف بالعمل به؟
وقال أيضا: وبعد يجيئنا من العلوم، أنه يقع بين أهل الدين والأمير بعض الحرشة، وهذا شيء ما يستقيم عليه دين، والدين هو الحب في الله والبغض فيه، فإن كان الأمير ما يجعل بطانته أهل الدين، صار بطانته أهل الشر؛ وأهل الدين عليهم جمع الناس على أميرهم، والتغاضي عن زلته؛ وهذا أمر لا بد منه من أهل الدين، يتغاضون عن أميرهم، وكذلك الأمير يتغاضى عنهم، ويجعلهم مشورته وأهل مجلسه، ولا يسمع فيهم كلام العدوان، وترى الكل: من أهل الدين والأمير، ما يعبد الله أحد منهم إلا برفيقه، فأنتم توكلوا على الله، واستعينوا بالله على الائتلاف والمحبة واجتماع الكلمة، فإن العدو يفرح إذا رأى أن الكل ناقم على رفيقه، والسبب يرجو عود الباطل.
[الإمامة في غير قريش]
سئل الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود
تعالى، هل تصح الإمامة في غير قريش؟
فأجاب: الذي عليه أكثر العلماء، أنها لا تصح في غير قريش إذا أمكن ذلك وأما إذا لم يمكن ذلك واتفقت الأمة على مبايعة الإمام، أو اتفق

أهل الحل والعقد عليه، صحت إمامته، ووجبت مبايعته، ولم يصح الخروج عليه، وهذا هو الصحيح الذي تدل عليه الأحاديث الصحيحة، كقوله ﷺ: «عليكم بالسمع والطاعة، وإن تأمر عليكم عبد حبشي …» الحديث.
[فرضية نصب الإمام]
وسئل: أبناء الشيخ محمد وحمد بن ناصر رحمهم الله؛ هل نصب الإمام فرض على الناس أم لا؟
فأجابوا: الذي عليه أهل السنة والجماعة، أن الإمام يجب نصبه على الناس، وذلك أن أمور الإسلام لا تتم إلا بذلك، كالجهاد في سبيل الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإقامة الحدود، وإنصاف الضعيف من القوي، وغير ذلك من أمور الدين، ولهذا أوجب الله طاعة أولي الأمر، فقال تعالى: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا أطِيعُوا اللَّهَ وأطِيعُوا الرَّسُولَ وأُولِي الأمْرِ مِنكُمْ فَإنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلى اللَّهِ والرَّسُولِ إنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ واليَوْمِ الآخِرِ﴾ [سورة النساء آية: ٥٩.] وقال تعالى: ﴿واعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا ولا تَفَرَّقُوا﴾ [سورة آل عمران آية: ١٠٣]
وفي الحديث: أن رسول الله ﷺ قال: «على المرء السمع والطاعة فيما أحب وكره، ما لم يؤمر بمعصية، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة»١، وفي حديث العرباض بن سارية، أنه قال عليه السلام: "أوصيكم بتقوى الله تعالى والسمع والطاعة، وإن تأمر عليكم عبد حبشي، وعليكم بسنتي وسنة


١ البخاري: الأحكام (٧١٤٤)، ومسلم: الإمارة (١٨٣٩)، والترمذي: الجهاد (١٧٠٧)، وأبو داود: الجهاد (٢٦٢٦)، وابن ماجه: الجهاد (٢٨٦٤)، وأحمد (٢/‏١٧،٢/‏١٤٢).

الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة»١. ولا يستقيم الدين إلا بإمام، ولهذا قال علي : «لا بد للناس من إمارة برة كانت أو فاجرة، قالوا: يا أمير المؤمنين: هذه البرة قد عرفناها، فما بال الفاجرة؟ قال يقام بها الحدود، ويؤمن بها السبل».
وأما العبد إذا اجتمعت فيه شروط الإمامة، فالذي عليه أهل العلم: أن العبد لا تجوز إمامته إذا أمكن، ولم يقهر الناس بسلطانه، وأما إذا قهر الناس واجتمع عليه أهل الحل والعقد، وجبت طاعته وحرمت مخالفته، كما في حديث العرباض المتقدم «وإن تأمر عليكم عبد حبشي»٢؛ وإذا أمكن كون الإمام من قريش، فهو أولى، كما في الحديث الصحيح.
وسئل الشيخ عبد الله أبا بطين: إذا قال بعض الجهال: إن من شروط الإمام أن يكون قرشيا، ولم يقل عارضيا، يشير إلى أنه قد ادعاها من ليس من أهلها، يعني محمد بن عبد الوهاب
تعالى، ومن قام معه وبعده بما دعا إليه؛ وأيضا: إن البغاة تحل دماؤهم دون أموالهم، وقد استحل الأموال والدماء من العلماء وغيرهم … إلى آخره؟
فأجاب: إذا قال بعض الجهال ذلك، فقل له: ولم


١ الترمذي: العلم (٢٦٧٦)، وأبو داود: السنة (٤٦٠٧)، وابن ماجه: المقدمة (٤٢،٤٤)، وأحمد (٤/‏١٢٦)، والدارمي: المقدمة (٩٥).
٢ البخاري: الأذان (٦٩٣)، وابن ماجه: الجهاد (٢٨٦٠)، وأحمد (٣/‏١٧١).

يقل تركيا، فإذا زال هذا الأمر عن قريش، فلو رجع إلى الاختيار لكان العرب أولى به من الترك، لأنهم أفضل من الترك، ولهذا ليس التركي كفوا للعربية، ولو تزوج تركي عربية كان لمن لم يرض من الأولياء فسخ هذا النكاح؛ وهذا الذي يعظمه الناس تركي لا قرشي، وهم أخذوها بغيا على قريش، ومحمد بن عبد الوهاب ما ادعى إمامة الأمة، وإنما هو عالم دعا إلى الهدى، وقاتل عليه ولم يلقب في حياته بالإمام، ولا عبد العزيز بن محمد بن سعود، ما كان أحد في حياته منهم يسمى إماما، وإنما حدث تسمية من تولى إماما بعد موتهما.
وأيضا: فالألقاب أمرها سهل، وهذا كل من صار وليا في صنعا يسمى إماما، وصاحب مسكة، يلقب كذلك.
والشيخ محمد بن عبد الوهاب قاتل من قاتله، ليس لكونهم بغاة، وإنما قاتلهم على ترك الشرك وإزالة المنكرات، وعلى إقام الصلاة وإيتاء الزكاة، والذين قاتلهم الصديق والصحابة لأجل منع الزكاة، ولم يفرقوا بينهم وبين المرتدين في القتل وأخذ المال.
قال شيخ الإسلام أبو العباس
تعالى: كل طائفة ممتنعة عن التزام شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة، فإنه يجب قتالهم، حتى يلتزموا شرائعه، وإن كانوا مع ذلك ناطقين بالشهادتين، وملتزمين ببعض شرائعه،

كما قاتل الصديق مانعي الزكاة؛ وعلى ذلك اتفق الفقهاء بعدهم، إلى أن قال: فأيما طائفة ممتنعة عن بعض الصلوات المفروضات، والصيام، والحج، وعن التزام تحريم الدماء والأموال، والخمر والزنى والميسر، وعن التزام جهاد الكفار، وغير ذلك من واجبات الدين ومحرماته، التي لا عذر لأحد في جحودها وتركها، التي يكفر الجاحد لوجوبها، فإن الطائفة الممتنعة تقاتل عليها، لوجوبها، وإن كانت مقرة بها؛ وهذا مما لا أعلم فيه خلافا بين العلماء، إلى أن قال: وهؤلاء عند المحققين من العلماء، ليسوا بمنْزلة البغاة الخارجين على الإمام، والخارجون عن طاعته، كأهل الشام مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، فإن أولئك خارجون عن طاعة إمام معين، أو خارجون عليه لإزالة ولايته، وأما المذكورون فهم خارجون عن الإسلام، بمنْزلة مانعي الزكاة، انتهى.
وأيضا: فالمشار إليهم في السؤال، لا نقول إنهم معصومون، بل يقع منهم أشياء تخالف الشرع، ولولا ما يحدث من المخالفات، لم يسلط عليهم عدوهم، ولكن عوقبوا بأن سلط عليهم من ليس خيرا منهم وأحسن. «إذا عصاني من يعرفني سلطت عليه من لا يعرفني». والذي أدركنا من سيرة هذه الطائفة المشار إليها، ما بقي منها اليوم إلا الاسم، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.

 

ج10. الدرر السنية في الاسئلة النجدية

٥٤].
وهؤلاء هم الشاكرون لنعمة الإيمان، الصابرون على الامتحان، كما قال تعالى: ﴿وما مُحَمَّدٌ إلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أفَإنْ ماتَ أوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أعْقابِكُمْ ومَن يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وسَيَجْزِي اللَّهُ الشّاكِرِينَ﴾ [سورة آل عمران آية: ١٤٤] إلى قوله: ﴿واللَّهُ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ﴾
فإذا أنعم الله على إنسان بالصبر والشكر، كان جميع ما يقضي له من القضاء خيرا له، كما قال النبي ﷺ: «لا يقضى للمؤمن قضاء إلا كان خيرا له، إن أصابته سراء فشكر كان خيرا له، وإن أصابته ضراء فصبر كان خيرا له»١. والصابر الشكور، هو المؤمن الذي ذكر الله في غير موضع من كتابه، ومن لم ينعم الله عليه بالصبر والشكر، فهو بشر حال، وكل واحد من السراء والضراء في حقه، يفضي به إلى قبيح المآل.
فكيف إذا كان ذلك في الأمور العظيمة، التي هي من محن الأنبياء والصديقين، وبها تثبت أصول الدين، وحفظ الإيمان، والقرآن، من كيد أهل النفاق، والإلحاد والبهتان؛ فالحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، كما يحب ربنا ويرضى، وكما ينبغي لكرم وجهه وعز جلاله.
والله المسؤول أن يثبتكم وسائر المؤمنين، بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، ويتم عليكم نعمه


١ مسلم: الزهد والرقائق (٢٩٩٩)، وأحمد (٦/‏١٥).

الظاهرة والباطنة، وينصر دينه وكتابه ورسوله، وعباده المؤمنين، على الكافرين، والمنافقين، الذين أمرنا بجهادهم، والإغلاظ عليهم في كتابه المبين، انتهى ما نقلته من كلام أبي العباس، .
[حكم أكل الحشيشة]
ومن جواب له
، لما سئل عن الحشيشة ما يجب على من يدعي أن أكلها جائز؟ فقال: أكل هذه الحشيشة حرام، وهي من أخبث الخبائث المحرمة، سواء أكل منها كثيرا أو قليلا، لكن الكثير المسكر منها، حرام باتفاق المسلمين، ومن استحل ذلك فهو كافر، يستتاب فإن تاب وإلا قتل كافرا مرتدا، لا يغسل ولا يصلى عليه، ولا يدفن بين المسلمين؛ وحكم المرتد أشر من اليهود والنصارى، سواء اعتقد أن ذلك يحل للعامة، أو للخاصة الذين يزعمون أنها لقمة الذكر والفكر، وأنها تحرك العزم الساكن، وتنفع في الطريق.
وقد كان بعض السلف ظن أن الخمر يباح للخاصة، متأولا قوله تعالى: ﴿لَيْسَ عَلى الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا﴾ [سورة المائدة آية: ٩٣] الآية، فاتفق عمر وعلي وغيرهما من علماء الصحابة،
، على أنهم إن أقروا بالتحريم جلدوا، وإن أصروا على الاستحلال قتلوا، انتهى ما نقلته من كلام الشيخ.
فتأمل: كلام هذا الذي ينسب عنه عدم تكفير المعين،

إذا جاهر بسب دين الأنبياء، وصار مع أهل الشرك ويزعم أنهم على الحق، ويأمر بالمصير معهم، وينكر على من لا يسب التوحيد، ويدخل مع المشركين، لأجل انتسابه إلى الإسلام؟ انظر كيف كفر المعين، ولو كان عابدا باستحلال الحشيشة، ولو زعم حلها للخاصة، الذين تعينهم على الفكرة.
واستدل بإجماع الصحابة، على تكفير قدامة وأصحابه إن لم يتوبوا، وكلامه في المعين، وكلام الصحابة في المعين؛ فكيف بما نحن فيه، مما لا يساوي استحلال الحشيشة، جزءًا من ألف جزء منه، والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله وصحبه أجمعين، وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
آخر الجزء التاسع ويلبه الجزء العاشر،
وهو بقية كتاب حكم المرتد.

المجلد العاشر: (القسم الأخير من كتاب حكم المرتد)
تابع كتاب حكم المرتد

القسم الأخير من كتاب حكم المرتد
وله أيضا، قدس الله روحه ونور ضريحه:
بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد بن عبد الوهاب، إلى من يصل إليه من الإخوان المؤمنين بآيات الله، المصدقين لرسول الله، التابعين للسواد الأعظم من أصحاب رسول الله، والتابعين لهم بإحسان، وأهل العلم والإيمان، المتمسكين بالدين القيم عند فساد الزمان، الصابرين على الغربة والامتحان؛ سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أما بعد: فإن الله سبحانه بعث نبيكم ﷺ على حين فترة من الرسل، وأهل الأرض من المشرق إلى المغرب، قد خرجوا عن ملة إبراهيم، وأقبلوا على الشرك بالله، إلا بقايا من أهل الكتاب؛ فلما دعا إلى الله، ارتاع أهل الأرض من دعوته، وعادَوْه كلهم، جهالهم وأهل الكتاب، عبادهم وفساقهم، ولم يتبعه على دينه إلا أبو بكر الصديق، وبلال وأهل بيته ﷺ خديجة وأولادها، ومولاه زيد بن حارثة،

وعلي .
«قال عمرو بن عبسة: لما أتيت النبي ﷺ بمكة قلت: ما أنت؟ قال: نبي. قلت: وما نبي؟ قال: أرسلني الله قلت: بأي شيء أرسلك؟ قال: بصلة الأرحام، وكسر الأوثان، وأن يعبد الله لا يشرك به شيئ. قلت: من معك على هذا؟ قال: حر وعبد»، ومعه يومئذ أبو بكر، وبلال.
فهذا صيغة بدو الإسلام وعداوة الخاص والعام له، وكونه في غاية الغربة؛ ثم قد صح عنه ﷺ أنه قال: «بدأ الإسلام غريبا، وسيعود غريبا كما بدأ» ١. فمن تأمل هذا وفهمه، زالت عنه شبهات شياطين الإنس، الذين يجلبون على من آمن برسول الله ﷺ بخيل الشيطان ورجله.
فاصبروا يا إخواني، واحمدوا الله على ما أعطاكم، من معرفة الله سبحانه، ومعرفة حقه على عباده، ومعرفة ملة أبيكم إبراهيم - في هذا الزمان - التي أكثرُ الناس منكر لها؛ واضرعوا إلى الله أن يزيدكم إيمانا ويقينا وعلما، وأن يثبت قلوبكم على دينه، وقولوا كما قال الصالحون، الذين أثنى الله عليهم في كتابه: ﴿رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إذْ هَدَيْتَنا وهَبْ لَنا مِن لَدُنْكَ رَحْمَةً إنَّكَ أنْتَ الوَهّابُ﴾ [سورة آل عمران آية: ٨]


١ مسلم: الإيمان (١٤٥)، وابن ماجه: الفتن (٣٩٨٦)، وأحمد (٢/‏٣٨٩).

واعلموا أن الله سبحانه، قد جعل للهداية والثبات أسبابا، كما جعل للضلال والزيغ أسبابا؛ فمن ذلك: أن الله سبحانه أنزل الكتاب، وأرسل الرسول، ليبين للناس ما اختلفوا فيه، كما قال تعالى: ﴿وما أنْزَلْنا عَلَيْكَ الكِتابَ إلّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وهُدىً ورَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ [سورة النحل آية: ٦٤] فبإنزال الكتب، وإرسال الرسول، قطع العذر، وأقام الحجة، كما قال تعالى: ﴿ئَلّا يَكُونَ لِلنّاسِ عَلى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ﴾ [سورة النساء آية: ١٦٥]
فلا تغفلوا عن طلب التوحيد وتعلمه، واستعمال كتاب الله وإجالة الفكر فيه؛ وقد سمعتم من كتاب الله ما فيه عبرة، مثل قولهم: نحن موحدون، نعلم أن الله هو النافع الضار، وأن الأنبياء وغيرهم لا يملكون نفعا ولا ضرا، لكن نريد الشفاعة، وسمعتم ما بين الله في كتابه، في جواب هذا، وما ذكر أهل التفسير وأهل العلم، وسمعتم قول المشركين: الشرك عبادة الأصنام، وأما الصالحون فلا، وسمعتم قولهم: لا نريد إلا من الله، لكن نريد بجاههم؛ وسمعتم ما ذكر الله في جواب هذا كله.
وقد منّ الله عليكم بإقرار علماء المشركين بهذا كله، سمعتم إقرارهم أن هذا الذي يفعل في الحرمين، والبصرة، والعراق، واليمن، أن هذا شرك بالله، فأقروا لكم أن هذا الدين الذي ينصرون أهله، ويزعمون أنهم

السواد الأعظم، أقروا لكم أن دينهم هو الشرك.
وأقروا لكم أيضا أن التوحيد الذي يسعون في إطفائه، وفي قتل أهله وحبسهم، أنه دين الله ورسوله؛ وهذا الإقرار منهم على أنفسهم، من أعظم آيات الله، ومن أعظم نعم الله عليكم، ولا يبقى شبهة مع هذا إلا للقلب الميت، الذي طبع الله عليه، وذلك لا حيلة فيه.
ولكنهم يجادلونكم اليوم بشبهة واحدة، فأصغوا لجوابها، وذلك أنهم يقولون: كل هذا حق، نشهد أنه دين الله ورسوله، إلا التكفير، والقتال؛ والعجب ممن يخفى عليه جواب هذا! إذا أقروا أن هذا دين الله ورسوله، كيف لا يكفر من أنكره، وقتل من أمر به وحبسهم، كيف لا يكفر من أمر بحبسهم؟! كيف لا يكفر من جاء إلى أهل الشرك، يحثهم على لزوم دينهم وتزيينه لهم؟! ويحثهم على قتل الموحدين، وأخذ مالهم، كيف لا يكفر، وهو يشهد أن هذا الذي يحث عليه، أن الرسول ﷺ أنكره ونهى عنه؟! وسماه الشرك بالله، ويشهد أن هذا الذي يبغضه، ويبغض أهله، ويأمر المشركين بقتلهم، هو دين الله ورسوله!.
واعلموا: أن الأدلة على تكفير المسلم الصالح إذا أشرك بالله، أو صار مع المشركين على الموحدين ولو لم يشرك، أكثر من أن تحصر، من كلام الله، وكلام رسوله،

وكلام أهل العلم كلهم.
وأنا أذكر لكم آية من كتاب الله، أجمع أهل العلم على تفسيرها، وأنها في المسلمين، وأن من فعل ذلك فهو كافر في أي زمان كان، قال تعالى: ﴿مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعْدِ إيمانِهِ إلّا مَن أُكْرِهَ وقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالأِيمانِ﴾ [سورة النحل آية: ١٠٦] إلى آخر الآية وفيها ﴿ذَلِكَ بِأنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الحَياةَ الدُّنْيا عَلى الآخِرَةِ﴾ [سورة الأنفال آية: ٢٣]؛ فإذا كان العلماء، ذكروا أنها نزلت في الصحابة لما فتنهم أهل مكة؛ وذكروا: أن الصحابي إذا تكلم بكلام الشرك بلسانه، مع بغضه لذلك وعداوة أهله، لكن خوفا منهم، أنه كافر بعد إيمانه؛ فكيف بالموحد في زماننا، إذا تكلم في البصرة، أو الإحساء، أو مكة، أو غير ذلك خوفا منهم، لكن قبل الإكراه؛ وإذا كان هذا يكفر، فكيف بمن صار معهم، وسكن معهم، وصار من جملتهم؟! فكيف بمن أعانهم على شركهم، وزينه لهم؟ فكيف بمن أمر بقتل الموحدين، وحثهم على لزوم دينهم؟
فأنتم وفقكم الله تأملوا هذه الآية، وتأملوا من نزلت فيه، وتأملوا إجماع العلماء على تفسيرها، وتأملوا ما جرى بيننا وبين أعداء الله، نطلبهم دائما الرجوع إلى كتبهم التي بأيديهم، في مسألة التكفير والقتال، فلا يجيبوننا إلا بالشكوى عند الشيوخ، وأمثالهم؛ والله أسأل أن يوفقكم

لدينه القيم، ويرزقكم الثبات عليه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
[ذكر ما في قصة عمرو بن عبسة من الفوائد]
وقال أيضا
تعالى:
ذكر ما في قصة عمرو بن عبسة من الفوائد:
الأولى: كون الشرك يعرف قبحه بالفطرة، لقوله: كنت أظن الناس ليسوا على شيء، وهم يعبدون الأوثان. الثانية: الحرص على طلب العلم، لأنه سبب للخير، وفسر به قوله: ﴿ولَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأسْمَعَهُمْ﴾ [سورة الأنفال آية: ٢٣]، لقوله: فسمعت أن رجلا بمكة يخبر أخبارا فقعدت على راحلتي، فوجدته مختفيا، فتلطفت حتى دخلت عليه.
الثالثة: قوله فقلت له: ما أنت؟ قال: «نبي. قلت: وما نبي؟ قال: أرسلني الله
﷿» ١. فهذه المسألة هي أصل العلوم كلها، وهي فهم القلب فهما جيدا أن الله أرسل إليك رسولا، فإذا عرفتها هان عليك ما بعدها. الرابعة: قوله: بأي شيء أرسلك؟ قال: «بكذا وكذا» وهذه توضح ما قبلها بالفعل.
الخامسة: قوله: «بصلة الأرحام، وكسر الأوثان، وأن يعبد الله لا يشرك به شيء» ٢. الأول: حق الخلق، والثاني حق الخالق، وذكر هذه مع هذه، تفسير سياسة المدعو والرفق به، والتلطف في إدخال الخير إلى قلبه؛


١ مسلم: صلاة المسافرين وقصرها (٨٣٢)، وأحمد (٤/‏١١٢).
٢ مسلم: صلاة المسافرين وقصرها (٨٣٢)، وأحمد (٤/‏١١٢).

والثاني فيها تعريف الأمر قبل الدخول فيه، لأن الداخل لا يستقيم له الدخول إلا بمعرفته ولو صعب. السادسة: حسن فهم عمرو، لقوله: من معك على هذا؟ السابعة: قوله حر وعبد، والله أعلم.
[أربعة وعشرون مسألة شنع بها الأعداء]
وله أيضا أسكنه الله الفردوس الأعلى:
بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد بن عبد الوهاب، إلى عبد الله بن سحيم، وبعد: أتانا مكتوبك، وما ذكرت فيه من ذكرك، وما بلغك؛ ولا يخفاك أن المسائل التي ذكرت أنها بلغتكم، في كتاب من العارض، جملتها أربع وعشرون مسألة، بعضها حق، وبعضها بهتان وكذب.
وقبل الكلام فيها، لا بد من تقديم أصل؛ وذلك: أن أهل العلم إذا اختلفوا، والجهال إذا تنازعوا، ومثلي ومثلكم إذا اختلفنا في مسألة، هل الواجب اتباع أمر الله ورسوله، وأهل العلم؟ أو الواجب اتباع عادة الزمان، الذي أدركنا الناس عليها، ولو خالفت ما ذكره العلماء في جميع كتبهم؟
وإنما ذكرت هذا - ولو كان واضحا - لأن بعض المسائل التي ذكرت أنا قلتها، لكن هي موافقة لما ذكره

 ج11. الدرر السنية في الاسئلة النجدية==

وشفيعه عنده ووسيلته إليه، وهكذا كان عباد الأصنام سواء.
وهذا القدر هو الذي قام بقلوبهم، وتوارثه المشركون، بحسب اختلاف آلهتهم، فأولئك كانت آلهتهم من الحجر، وغيرهم اتخذوها من البشر، قال الله تعالى حاكيا عن أسلاف هؤلاء المشركين ﴿والَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ إلّا لِيُقَرِّبُونا إلى اللَّهِ زُلْفى إنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي ما هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ ١.
ثم شهد عليهم بالكذب والكفر، وأخبر أنه لا يهديهم، فقال: ﴿إنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَن هُوَ كاذِبٌ كَفّارٌ﴾ ٢ فهذا حال من اتخذ من دون الله وليا، يزعم أنه يقربه إلى الله؛ وما أعز من تخلص من هذا، بل ما أعز من لا يعادي من أنكره! والذي قام في قلوب هؤلاء المشركين وسلفهم: أن آلهتهم تشفع لهم عند الله، وهذا عين الشرك.
وقد أنكر الله عليهم ذلك في كتابه، وأبطله وأخبر أن الشفاعة كلها له، وأنه لا يشفع عنده أحد إلا لمن أذن الله أن يشفع فيه، ورضي قوله وعمله، وهم أهل التوحيد الذين لم يتخذوا من دون الله شفعاء؛ فإنه يأذن سبحانه لمن يشاء في الشفاعة لهم، حيث لم يتخذوهم شفعاء من دونه، فيكون أسعد الناس بشفاعته من يأذن له، وهو صاحب التوحيد، الذي لم يتخذ شفيعا من دون الله.


١ سورة الزمر آية: ٣.
٢ سورة الزمر آية: ٣.

والشفاعة التي أثبتها الله ورسوله، هي الشفاعة الصادرة عن إذنه لمن وحده، والشفاعة التي نفاها، هي الشفاعة الشركية في قلوب المشركين، المتخذين من دون الله شفعاء، فيعاملون بنقيض قصدهم من شفاعتهم، ويفوز بها الموحدون.
فتأمل قول النبي ﷺ لأبي هريرة، وقد سأله: «من أسعد الناس بشفاعتك يا رسول الله؟ قال: أسعد الناس بشفاعتي، من قال: لا إله إلا الله»، كيف جعل أعظم الأسباب، التي تنال بها شفاعته، تجريد التوحيد؟ عكس ما عند المشركين، أن الشفاعة تنال باتخاذهم شفعاء، وعبادتهم، وموالاتهم من دون الله؛ فقلب النبي ﷺ ما في زعمهم الكاذب، وأخبر أن سبب الشفاعة تجريد التوحيد، فحينئذ يأذن الله للشافع أن يشفع.
ومِن جَهْلِ المشرك: اعتقاده أن من اتخذ وليا أو شفيعا، أنه يشفع له وينفعه عند الله، كما تكون خواص الملوك والولاة تنفع من والاهم، ولم يعلموا أن الله لا يشفع عنده أحد إلا بإذنه، ولا يأذن في الشفاعة إلا لمن رضي قوله وعمله، كما قال تعالى في الفصل الأول: ﴿مَن ذا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إلّا بِإذْنِهِ﴾ ١، وفي الفصل الثاني ﴿ولا يَشْفَعُونَ إلّا لِمَنِ ارْتَضى﴾ ٢.


١ سورة البقرة آية: ٢٥٥.
٢ سورة الأنبياء آية: ٢٨.

وبقي فصل ثالث، وهو أنه لا يرضى من القول والعمل إلا التوحيد، واتباع الرسول ﷺ؛ وعن هاتين الكلمتين يسأل الأولون والآخرون، كما قال أبو العالية: كلمتان يسأل عنهما الأولون والآخرون، ماذا كنتم تعبدون؟ وماذا أجبتم المرسلين١؟
وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
آخر الجزء العاشر من الدرر السنية، ويليه الجزء الحادي عشر أول مختصرات الردود.


١ إلى آخر كلامه . انظر صفحة ٣٤١ /جـ ١ من مدارج السالكين.

المجلد الحادي عشر: (القسم الأول من كتاب مختصرات الردود)
كتاب مختصر الردود

كتاب مختصر الردود
قال الشيخ: حمد بن ناصر بن معمر
تعالى:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولا ند ولا معين؛ وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أرسله رحمة للعالمين، وحجة على الكافرين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليما.
أما بعد: فإنه لما كان منتصف جمادى الثانية، من سنة سبع عشرة بعد المائتين والألف، ورد علينا رسالة من محمد بن أحمد الحفظي اليمني، يسأل فيها عن مسائل أوردها عليه بعض المجادلين، فطلب منا الجواب عليها.
منها: أنه زعم أن إطلاق الكفر بدعاء غير الله، غير مسلم لوجوه:
الوجه الأول: عدم النص الصريح على ذلك بخصوصه.
الثاني: إن نظر فيه من حيثية القول، فهو كالحلف بغير الله، وقد ورد أنه شرك وكفر ثم أولوه بالأصغر وإن نظر فيه من حيثية الاعتقاد، فهو كالطيرة، وهي من الأصغر.
الثالث: أنه قد ورد في حديث الضرير، قوله: «يا محمد إني أتوجه بك» ١ إلخ. وفي الجامع الكبير،


١ الترمذي: الدعوات (٣٥٧٨)، وابن ماجه: إقامة الصلاة والسنة فيها (١٣٨٥)، وأحمد (٤/‏١٣٨).

وعزاه للطبراني فيمن انفلتت عليه دابته، قال: «يا عباد الله احبسوا» وهذا دعاء ونداء لغير الله.
الجواب:- وبالله التوفيق والتأييد، ومنه أستمد العون والتسديد - اعلم: أن دعاء غير الله وسؤاله نوعان:
أحدهما: سؤال الحي الحاضر ما يقدر عليه، مثل سؤاله أن يدعو له أو يعينه، أو ينصره مما يقدر عليه، فهذا جائز كما كان الصحابة
يستشفعون بالنبي ﷺ في حياته، فيشفع لهم، ويسألونه الدعاء فيدعو لهم.
فالمخلوق يطلب منه من هذه الأمور ما يقدر عليه منها، كما قال تعالى في قصة موسى: ﴿فاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلى الَّذِي مِن عَدُوِّهِ﴾ [سورة القصص آية: ١٥] وقال تعالى: ﴿وإنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ﴾ [سورة الأنفال آية: ٧٢] وكما ورد في الصحيحين أن الناس يوم القيامة يستغيثون بآدم، ثم بنوح، ثم بإبراهيم، ثم بموسى، ثم بعيسى، ثم بنبينا محمد ﷺ.
وفي سنن أبي داود، «أن رجلا قال للنبي:ﷺ إنا نستشفع بالله عليك، ونستشفع بك على الله، فقال: شأن الله أعظم من ذلك، إنه لا يستشفع بالله على أحد من خلقه» فأقره على قوله نستشفع بك على الله؛ وأنكر قوله: نستشفع بالله عليك. فالصحابة
كانوا يطلبون منه الدعاء، ويستشفعون به في حياته ﷺ.

النوع الثاني: سؤال الميت والغائب وغيرهما، مما لا يقدر عليه إلا الله؛ مثل: سؤال قضاء الحاجات، وتفريج الكربات، وإغاثة اللهفات؛ فهذا من المحرمات المنكرة، باتفاق أئمة المسلمين؛ لم يأمر الله به، ولا رسوله، ولا فعله أحد من الصحابة، ولا التابعين لهم بإحسان، ولا استحبه أحد من أئمة المسلمين.
وهذا مما يعلم بالاضطرار أنه ليس من دين الإسلام؛ فإنه لم يكن أحد منهم إذا نزلت به شدة أو عرضت له حاجة، يقول لميت: يا سيدي فلان اقض حاجتي، أو اكشف شدتي، أو أنا في حسبك، أو أنا متشفع بك إلى ربي، كما يقول بعض هؤلاء المشركين لمن يدعونهم من الموتى والغائبين. ولا أحد من الصحابة استغاث بالنبي ﷺ بعد موته، ولا بغيره من الأنبياء عند قبورهم، ولا إذا بعدوا عنها؛ فإن هذا من الشرك الأكبر، الذي كفّر الله به المشركين، الذين كفرهم النبي ﷺ واستباح دماءهم وأموالهم؛ لم يقولوا إن آلهتهم شاركت الله في خلق العالم، أو إنها تنْزل المطر وتنبت النبات؛ بل كانوا مقرين بذلك لله وحده، كما قال تعالى: ﴿ولَئِنْ سَألْتَهُمْ مَن خَلَقَ السَّماواتِ والأرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾ [سورة لقمان آية: ٢٥] الآية وقال تعالى: ﴿قُلْ لِمَنِ الأرْضُ ومَن فِيها إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أفَلا تَذَكَّرُونَ﴾ [سورة المؤمنون آية: ٨٤-٨٥] إلى قوله: ﴿فَأنّى تُسْحَرُونَ﴾ [سورة المؤمنون آية: ٨٩].

وقال تعالى: ﴿وما يُؤْمِنُ أكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إلّا وهُمْ مُشْرِكُونَ﴾ [سورة يوسف آية: ١٠٦] قال طائفة من السلف، في تفسير هذه الآية: إذا سئلوا من خلق السماوات والأرض، قالوا: الله، وهم يعبدون غيره؛ ففسروا الإيمان في الآية، بإقرارهم بتوحيد الربوبية، وفسروا الإشراك بإشراكهم في توحيد الإلهية، الذي هو توحيد العبادة.
والعبادة: اسم جامع لما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال، من ذلك: الدعاء بما لا يقدر على جلبه أو دفعه إلا الله؛ فمن طلبه من غيره، واستعان به فيه، فقد عبده به والدعاء من أفضل العبادات، وأجل الطاعات، قال الله تعالى: ﴿وقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أسْتَجِبْ لَكُمْ إنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ﴾ [سورة غافر آية: ٦٠].
وفي الترمذي: عن ابن عباس
، عن النبي ﷺ قال: «الدعاء مخ العبادة» ١ وللترمذي والنسائي وابن ماجه، من حديث النعمان بن بشير، قال: قال رسول الله ﷺ: «إن الدعاء هو العبادة»٢ ثم قرأ: ﴿وقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أسْتَجِبْ لَكُمْ إنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي﴾ [سورة غافر آية: ٦٠] الآية، قال الترمذي حديث حسن صحيح.
قال الشارح: معنى قوله ﷺ: «الدعاء هو العبادة» أي: معظمها، فهو كقوله: «الحج عرفة» ٣ أي: ركنه الأعظم. ومعنى قوله: «الدعاء العبادة» أي: خالصها،


١ الترمذي: الدعوات (٣٣٧١).
٢ الترمذي: تفسير القرآن (٢٩٦٩)، وابن ماجه: الدعاء (٣٨٢٨).
٣ الترمذي: الحج (٨٨٩)، والنسائي: مناسك الحج (٣٠١٦)، وأبو داود: المناسك (١٩٤٩)، وابن ماجه: المناسك (٣٠١٥)، وأحمد (٤/‏٣٠٩،٤/‏٣٣٥)، والدارمي: المناسك (١٨٨٧).

لأن الداعي إنما يدعو الله، عند انقطاع أمله مما سواه، وذلك حقيقة التوحيد والإخلاص، انتهى.
والدعاء في القرآن يتناول معنيين:
أحدهما: دعاء العبادة، وهو: دعاء الله لامتثال أمره، في قوله: ﴿ادْعُونِي أسْتَجِبْ لَكُمْ﴾
الثاني: دعاء المسألة؛ وهو دعاؤه سبحانه في جلب المنفعة، ودفع المضرة.
وبقطع النظر عن الامتثال، فقد فسر قوله تعالى: ﴿وقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ [سورة غافر آية: ٦٠] بالوجهين:
أحدهما: ما هو عام في الدعاء وغيره، وهو العبادة، وامتثال الأمر له سبحانه؛ فيكون معنى قوله: ﴿أسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ أثبكم، كما قال في الآية الأخرى: ﴿ويَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ﴾ [سورة الشورى آية: ٢٦] أي يثيبهم على أحد التفسيرين.
الثاني: ما هو خاص، معناه: سلوني أعطكم، كما في الصحيحين عن النبي ﷺ أنه قال: «ينْزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا، حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه سؤاله؟ من يستغفرني فأغفر له؟» ١ فذكر أولا لفظ الدعاء، ثم السؤال، ثم الاستغفار، والمستغفر سائل، كما أن المسائل داع؛ فعطف السؤال والاستغفار على الدعاء؛ فهو من باب عطف الخاص على العام.


١ البخاري: التوحيد (٧٤٩٤)، ومسلم: صلاة المسافرين وقصرها (٧٥٨)، والترمذي: الصلاة (٤٤٦) والدعوات (٣٤٩٨)، وأبو داود: الصلاة (١٣١٥) والسنة (٤٧٣٣)، وابن ماجه: إقامة الصلاة والسنة فيها (١٣٦٦)، وأحمد (٢/‏٢٥٨،٢/‏٢٦٤،٢/‏٢٦٧،٢/‏٢٨٢،٢/‏٤١٩،٢/‏٤٨٧،٢/‏٥٠٤،٢/‏٥٢١)، ومالك: النداء للصلاة (٤٩٦)، والدارمي: الصلاة (١٤٧٨،١٤٧٩).

وهذا المعنى الثاني، أعني: الخاص هو الأظهر، لوجهين:
أحدهما: ما في حديث النعمان بن بشير، أن رسول الله ﷺ قال: «إن الدعاء هو العبادة» ١ ثم قرأ الآية: ﴿وقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ [سورة غافر آية: ٦٠] فاستدلاله
، بالآية على الدعاء، دليل على أن المراد منها: سلوني.
وخطاب الله عباده المكلفين بصيغة الأمر، منصرف إلى الوجوب، ما لم يقم دليل يصرفه إلى الاستحباب؛ فيفيد قصر فعله على الله، فلا يجعل لغيره، لأنه عبادة؛ ولهذا أمر الله الخلق بسؤاله، فقال: ﴿واسْألُوا اللَّهَ مِن فَضْلِهِ﴾ [سورة النساء آية: ٣٢].
وفي الترمذي: عن ابن مسعود
عن النبي ﷺ: «سلوا الله من فضله، فإن الله يحب أن يُسأل» ٢ وله عن أبي هريرة، مرفوعا: «من لم يسأل الله يغضب عليه» ٣ وله أيضا: «إن الله يحب الملحين في الدعاء» فتبين بهذا: أن الدعاء من أفضل العبادات، وأجل الطاعات.
الوجه الثاني: أنه سبحانه قال: ﴿وإذا سَألَكَ عِبادِي عَنِّي فَإنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّاعِ إذا دَعانِ﴾ [سورة البقرة آية: ١٨٦] والسائل راغب راهب، وكل سائل راغب راهب، فهو عابد للمسؤول. وكل عابد فهو أيضا راغب راهب، يرجو رحمته ويخاف عذابه؛ فكل عابد سائل، وكل سائل لله فهو عابد.


١ الترمذي: تفسير القرآن (٢٩٦٩)، وابن ماجه: الدعاء (٣٨٢٨).
٢ الترمذي: الدعوات (٣٥٧١).
٣ الترمذي: الدعوات (٣٣٧٣)، وابن ماجه: الدعاء  =ج12.=

ج12. الدرر السنية في الاسئلة النجدية

لكن لما لم يفهموا التوحيد الذي دعت إليه الرسل، ولم يفهموا الشرك الذي نهى الله عنه في الآيات المحكمات، ولم يلتفتوا إلى ما بينه النبي ﷺ وأخبر به أنه يقع في الأمة من التفرق والاختلاف في الدين، ومشابهة أهل الكتاب، وأن الدين يعود وغريبا كما بدأ، فخفي على هذا وأمثاله هذا الشرك الجلي.
فليس لهؤلاء من العلم ما يهديهم ولا ينجيهم؛ نعوذ بالله من موت القلوب، ورين الذنوب، وقد قال تعالى: ﴿ويَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ ما لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِنَ السَّماواتِ والأرْضِ شَيْئًا ولا يَسْتَطِيعُونَ﴾ [سورة النحل آية: ٧٣] الآية. وقال تعالى: ﴿قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِن دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ ولا تَحْوِيلًا﴾ [سورة الإسراء آية: ٥٦]، ونحو هذه الآيات، وهي في القرآن أكثر من أن تحصر، في بيان الشرك، وأنواع العبادة التي وقع الشرك بها، في الأولين والآخرين، بدعاء الأموات الغائبين، ممن لا يسمع دعاء الداعي، ولا يستجيب، ولا يحبه منه ولا يرضاه.
وأما قوله: وهم يبنون المساجد والمدارس، ويدعون بداع الفلاح،
فالجواب من وجوه: الوجه الأول: أن اليهود والنصارى بنوا الكنائس والبيع والصوامع، ويتعبدون

فيها، فلم يتركوا دينهم رأسا، ويقرؤون التوراة والإنجيل، ويحكمون بكثير من الأحكام الشرعية، مع ما وقع منهم من الكفر والشرك؛ وقد قال تعالى: ﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إسْرائيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وعِيسى ابْنِ مَرْيَمَ﴾ [سورة المائدة آية: ٧٨] الآيات.
وقال قبلها في حق عيسى: ﴿قُلْ أتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ ما لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا ولا نَفْعًا واللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ﴾ [سورة المائدة آية: ٧٦]، وذكرهم في صدر سورة البقرة لما وقع منهم من عظائم الذنوب.
الوجه الثاني: أن الشرك مبطل للأعمال، فلا ينفع معه عمل لامرئ، وإن قام ليله وصام نهاره؛ فصورة العمل لا تنفع إلا بالإخلاص والمتابعة. وكثير من الجهال اغتروا بصورة الأعمال، ولم يأتوا بشرطها وهو التوحيد، فصارت كسراب بقيعة، كما قال تعالى: ﴿والَّذِينَ كَفَرُوا أعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ﴾ [سورة النور آية: ٣٩] الآية؛ فهذه حال الأعمال مع الشرك، كالسراب الذي يحسبه الظمآن ماء، حتى إذا جاءه لم يجده شيئا.
قال الفضيل بن عياض، في قوله تعالى: ﴿لِيَبْلُوَكُمْ أيُّكُمْ أحْسَنُ عَمَلًا﴾، قال: «أخلصه وأصوبه؛ قيل له: يا أبا علي: ما أخلصه وأصوبه؟ قال: إن العمل إذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل، وإذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل، حتى يكون خالصا صوابا».

فالخالص أن يكون لله، والصواب: أن يكون على سنة رسول الله ﷺ.
وأيضا: فقد ذكر الفقهاء، في حكم المرتد: أن الرجل قد يكفر بقول يقوله، أو عمل يعمله، وإن كان يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله ويصلي، ويصوم، ويتصدق، فيكون مرتدا تحبط أعماله ما قال أو فعل، خصوصا إن مات على ذلك، فيكون حبوط أعماله إجماعا، بخلاف ما إذا تاب قبل الموت، ففيه الخلاف.
والمقصود: أن الأعمال لا ينفع منها شيء مع الشرك، ولهذا ذكر الفقهاء أن الردة تنقض الوضوء، لفوات النية بالردة، فيفوت استصحابها؛ وكل هذا بين لا يخفى إلا على البلداء الأغبياء. فبهذه الأمور يبطل ما احتج به، من أن الصلاة والأذان ينفع مع الشرك، وهذا لا يقوله من له أدنى مسكه من عقل، والله أعلم. نسأل الله الثبات على الإسلام والسنة، وأن لا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم. آخر الجزء الحادي عشر من الدرر السنية، ويليه الجزء الثاني عشر، وأوله: وله أيضا … إلخ.

المجلد الثاني عشر: (القسم الثاني من كتاب مختصرات الردود)
تابع كتاب مختصرات الردود

[جواب الشيخ عبد الرحمن بن حسن على ابن منصور]
وله أيضا: أي الشيخ عبد الرحمن بن حسن، صب الله عليه من شآبيب بره، ووالى:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، محمد وآله وصحبه وسلم تسليما.
أما بعد: فليعلم أن هذا الذي علقته في هذه الورقات، قد اقتصدت فيه، واقتصرت على ما تحصل به الفائدة، ويحصل به الثواب من الكريم الوهاب، لأنه من أفضل الجهاد في الدين، والنصيحة لعامة المسلمين، ولمن يصل إليه ممن له رغبة في معرفة حقيقة الدين، الذي بعث الله به الأنبياء والمرسلين.
فأقول - قبل الشروع في تحرير الجواب -: إن عثمان بن منصور اعترض على شيخنا
، فيما دعا إليه من توحيد الله تعالى من الحنيفية ملة إبراهيم، وما بعث به محمد النبي الكريم، صلوات الله وسلامه عليهما، وعلى جميع المرسلين.
فقال: إنه لم يتخرج على أشياخ في العلم، وهذا مما افتراه واختلقه، عمن استند إليه من شيوخه الثلاثة: ابن سند، وابن جديد، وابن سلوم؛ وهذا من جهلهم بحال شيخنا، وشدة عداوتهم له؛ فتلقى عن هؤلاء الثلاثة ما زعموه، من الكذب والبهتان.
والجواب عن هذا: أنه لا يعرف شيخنا، ولا حيث نشأ،

كما يعرفه الخبير بحاله، ممن يقول الحق ويقصده، ويتحرى الصدق ويؤثره؛ فلا ريب أنه لما قدم جده سليمان بن علي، من الروضة، ونزل العيينة، كان أفقه من نزل نجدا في وقته، فتخرج عليه خلق كثير من أهل نجد، منهم ابناه عبد الوهاب وإبراهيم.
وكان المتولي للقضاء في العارض: أبوه عبد الوهاب؛ وكان عمه يسافر إلى ما حولهم من البلاد، لحاجتهم إليه في الإفتاء، وما يقع بينهم من بيع العقارات، وكان عليه اعتمادهم فيما كتبه وأثبته؛ وأكثر إقامته مع أخيه عبد الوهاب. فظهر شيخنا بين أبيه وعمه، فحفظ القرآن وهو صغير.
وقرأ في فنون العلم، وصار له فهم قوي، وهمة عالية في طلب العلم، فصار يناظر أباه وعمه في بعض المسائل بالدليل، على بعض الروايات عن الإمام أحمد، والوجوه عن الأصحاب، فتخرج عليهما في الفقه، وناظرهما في مسائل، قرأها في الشرح الكبير والمغني، والإنصاف، لما فيهما من مخالفة ما في متن المنتهى والإقناع.
وعلت همته إلى طلب التفسير والحديث، فسافر إلى البصرة غير مرة، كل مرة يقيم بين من كان بها من العلماء، فأظهر الله له من أصول الدين، ما خفي على غيره، وكذلك ما كان عليه أهل السنة، في توحيد الأسماء والصفات والإيمان.
فيقال في الجواب: أنت يا ابن منصور، إنما افتخرت

برحلتك إلى البصرة والزبير، وأقمت بين أشياخك الثلاثة، فما الذي خصك بأخذ العلم منها دونه؟ إذا كان الكل قد سافر إليها، وجالس العلماء، وتميز عنك بالأخذ عما لا يتهم في حقه بالكذب والزور، وأنت قبلت فيه قول أهل الريب والفجور. فصنف في البصرة كتاب التوحيد، الذي شهد له بفضله بتصنيفه القريب والبعيد، أخذه من الكتب التي في مدارس البصرة من كتب الحديث.
وأما أنت يا ابن منصور فأي علم جئت به من رحلتك؟ ضيعت زمانك، وأخملت شأنك، وصرت ضحكة عند من أخذ عمن أخذ عن هذا الشيخ، وقد عدوا عليك من الغلطات ما لا فائدة في عدها هنا، وأنت لم تنقل عنهم واحدة غلطوا فيها، وذلك ببركة ما حصلوه ممن أخذ عن شيخ الإسلام، محمد بن عبد الوهاب
، فكيف حالك لو رأيت من أخذ عنه؟ لكنت في نفسك أحقر؛ ومن الدليل على ما ذكرته هنا: أنه طلب الإجازة مني على هذا الكلام، فأجزته بمروياتي في الحديث وغيره، ظنا مني أنه على هدى، وأنه بأهل العلم قد اقتدى.
ثم إن شيخنا
تعالى، بعد رحلته إلى البصرة، وتحصيل ما حصل بنجد وهناك، رحل إلى الأحساء، وفيها فحول العلماء، منهم عبد الله بن فيروز، أبو محمد الكفيف، ووجد عنده من كتب شيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم ما سر به، وأثنى على عبد الله هذا بمعرفته بعقيدة الإمام أحمد.

وحضر مشائخ الأحساء، ومن أعظمهم: عبد الله بن عبد اللطيف القاضي، فطلب منه أن يحضر الأول من فتح الباري على البخاري، ويبين له ما غلط فيه الحافظ في مسألة الإيمان، وبين أن الأشاعرة خالفوا ما صدر به البخاري كتابه، من الأحاديث والآثار، وبحث معهم في مسائل وناظر؛ وهذا أمر مشهور يعرفه أهل الأحساء، وغيرهم من أهل نجد، فإذا خفي عليك يا ابن منصور، أو جحدته، فغير مستغرب، والعدو يجحد فضائل عدوه.
كل العداوة قد ترجى مودتها … إلا عداوة من عاداك في الدين
ثم إن شيخنا
رجع من الأحساء إلى البصرة، وخرج منها إلى نجد قاصدا الحج، فحج تعالى، وقد تبين له بما فتح الله تعالى عليه، ضلال من ضل، باتخاذ الأنداد، وعبادتها من دون الله، في كل قطر وقرية، إلا من شاء الله.
فلما قضى الحج وقف في الملتزم، وسأل الله تعالى أن يظهر هذا الدين بدعوته، وأن يرزقه القبول من الناس، فخرج قاصدا المدينة مع الحاج يريد الشام، فعرض له بعض سراق الحجيج، فضربوه وسلبوه، وأخذوا ما معه وشجوا رأسه، وعاقه ذلك عن مسيره مع الحجاج.
فقدم المدينة بعد أن خرج الحاج منها، فأقام بها، وحضر عند العلماء إذ ذاك، منهم محمد حياة السندي، وأخذ عنه كتب الحديث إجازة في جميعها، وقراءة لبعضها، ووجد فيها بعض
الحنابلة، فكتب كتاب الهدي لابن القيم بيده، وكتب متن البخاري، وحضر في النحو، وحفظ ألفية ابن مالك، حدثني بذلك حماد بن حمد عنه رحمهما الله.
ثم رجع إلى نجد وهم على الحالة التي لا يحبها الله ولا يرضاها، من الشرك بعبادة الأموات، والأشجار، والأحجار، والجن، فقام فيهم يدعوهم إلى التوحيد، وأن يخلصوا العبادة بجميع أنواعها لله، وأن يتركوا ما كانوا يعبدونه من قبر أو طاغوت، أو شجر أو حجر؛ والناس يتبعه منهم الواحد والإثنان.
فصاح به الأكثرون، وحذروا منه الملوك، وأغروهم بعداوته، حتى إن ابن حميد ملك الأحساء والقطيف والبادية، أرسل إلى ابن معمر أمير العيينة أن يقتله، أو ينفيه، فنفاه إلى الدرعية. وتلقاه محمد بن سعود
، وأولاده، وإخوته، فصبروا على حرب القريب والبعيد، حتى أظهر الله هذا الدين، فنجا بدعوته من أنجاه الله من الشرك والضلال، وهلك بدعوته من هلك ممن بغى وطغى، واستكبر وحسد؛ وكل من دعا إلى ما دعت إليه الرسل، لا بد أن يقع له من الناس ما وقع لهم.
والمقصود: ذكر نعمة الله تعالى على شيخنا
تعالى، وبيان كذب المفتري، وأنه نشأ في طلب العلم، وتخرج على أهله في سن الصبا، ثم رحل لطلب العلم للبصرة مرارا وللأحساء، ثم إلى المدينة؛ والمعول على ما وهبه الله من الفهم والحفظ، 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ج9 كتاب الترغيب والترهيب للمنذري{من5655 الي 5766.}

  ج9 كتاب الترغيب والترهيب من الحديث الشريف عبد العظيم بن عبد القوي المنذري أبو محمد سليمة وفاكهة وخضرة وحبرة ونعمة في محلة عالية بهية...